خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق - تبارك وتعالى - يردُّ على اعتراضهم على بشرية الرسول وطلبهم أن يكون الرسول ملكاً، كما قالوا في موضع آخر: { { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا .. } [التغابن: 6].
يعني: هم مثلنا، وليسوا أفضل منَّا، فكيف يهدوننا؟! وهل الرسول يهديكم ببشريته؟ أم بشيء جاءه من أعلى؟ هل منهجه من عنده؟
الرسول ليس مُصلِحاً اجتماعياً، إنما هو مُبلِّغ عن الله ربي وربكم. وقد سبقت السوابق فيمَنْ قبلكم أن يكون الرسول بشراً { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ .. } [الأنبياء: 7] ولو أرسلنا إليهم مِلَكَاً لجاءكم الرسول مَلَكاً. { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء: 7] وهم اليهود والنصارى، ماذا أرسلنا إليهم أرجالاً أم ملائكة؟
ذلك لأن المفروض في النبي أن يكون قدوة لقومه وأُسْوة، مُبلِّغَ منهج، وأُسْوةَ سلوك، منهج يحققه عن الله، ثم يُطبِّقه على نفسه، فهو لا يحمل الناس على أمر هو عنه بنَجْوة، إنما هو أُسْوتهم وقُدْوتهم، وشرط أساسي في القدوة أنْ يتحد فيها الجنس: المتأسِّي مع المتأسَّى به.
فلو رأيت مثلاً في الغابة أسداً يصول ويجول ويفترس، هل تفكر في يوم ما أن تكون أسداً؟ هل تأخذ الأسد لك أُسْوة؟! لا، لأنه يُشترط في أُسْوتك أن يكون من جنسك، فإذا رأيتَ فارساً على جواده يصول ويجول ويضرب في الأعداء يميناً وشمالاً، لا شكَّ أنك تود أن تكون مثله.
كذلك إذا جاء النبي مَلَكاً، والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤْمرون، إنما نحن بشر، ولو جاءنا الرسول ملكاً لجاءنا في صورة بشرية.
يقول تعالى:
{ { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [الإسراء: 95].
ويردُّ الحق سبحانه عليهم:
{ { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9]. وهكذا تظل الشبهة موجودة.
إذن: لا يمكن أن يكون الرسول للبشر إلا من البشر. ونعم، محمد بشر لكن بشر يُوحَى إليه، كما جاء في الحديث الشريف:
"يرد عليَّ - يعني من الحق الأعلى - فأقول: أنا لست كأحدكم، ويُؤخَذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم" .
وقوله: { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء: 7] أي: إنْ كنتم في شكٍّ من هذه المقولة فاسألوا أهل الذكر من السابقين: اليهود والنصارى أهل الكتاب.
وقال: { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء: 7] لأنها مسألة عِلْمُها مشكوك فيه.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً ... }.