خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
٩٣
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: صاروا شيعاً وأحزاباً وجماعات وطوائف، كما قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .. } [الأنعام: 159].
لماذا، لست منهم في شيء؟ لأنهم يقضون على واحدية الأمة، ولا يقضون على واحدية الأمة إلا إذا اختلفتْ، ولا تختلف الأمة إلا إذا تعددتْ مناهجها، هنا ينشأ الخلاف، أمَّا إنْ صدروا جميعاً عن منهج واحد فلن يختلفوا.
وما داموا قد تقطعوا أمرهم بينهم، فصاروا قِطَعاً مختلفة، لكل قطعة منهج وقانون، ولكل قطعة تكاليف، ولكل قطعة راية، وكأن آلهتهم متعددة، فهل سيُتركون على هذا الحال، أم سيعودون إلينا في النهاية؟
{ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } [الأنبياء: 93] إذن: أنتم أمة واحدة في الخَلْق من البداية، وأمة واحدة في المرجع وفي النهاية، فلماذا تختلفون في وسط الطريق؟
إذن: الاختلاف ناشىء من اختلاف المنهج، وكان ينبغي أن يكون واضع المنهج واحداً. وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم خَاتَماً للرسالات، وجاءت شريعته جامعة لمزايا الشرائع السابقة، بل وتزيد عليها المزايا التي تتطلبها العصور التي تلي بعثته.
فكان المفروض أن تجتمع الأمة المؤمنة على ذلك المنهج الجامع المانع الشامل، الذي لا يمكن أن يستدرك عليه، وبذلك تتحقق وحدة الأمة، وتصدر في تكليفاتها عن إله واحد، فلا يكون فيها مَدْخَل للأهواء ولا للسلطات الزمنية أو الأغراض الدنيئة.
لذلك، إذا تعددت الجماعات التي تقول بالإسلام وتفرقت نقول لهم: كونوا جماعة واحدة، وإلا فالحق مع أيِّ جماعة منكم؟! لأن الله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:
{ { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .. } [ الأنعام: 159].
ولا يتفرق الداعون لدعوة واحدة إلا باتباع الأهواء والأغراض، أما الدين الحق فهو الذي يأتي على هوى السماء، موافقاً لما ارتضاه الله تعالى لخَلْقه.
لقد انفضَّ المؤمنون عن الجامع الذي يجمعهم بأمر الله، فانفضت عنهم الوحدة، وتدابروا حتى لم يَعُدْ يجمعهم إلا قَوْلُ "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أما مناهجهم وقوانينهم فقد أخذوها من هنا أو من هناك، وسوف تعضهم هذه القوانين، وسوف تخذلهم هذه الحضارات، ويرون أثرها السيء، ثم يعودون في النهاية إلى الإسلام فهو مرجعهم الوحيد، كما نسمع الآن نداء لا حَلَّ إلا الإسلام.
نعم، الإسلام حَلٌّ للمشاكل والأزمات والخلافات والزعامات، حَلٌّ للتعددية التي أضعفتْ المسلمين وقوَّضَتْ أُخوَّتهم التي قال الله فيها:
{ { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً .. } [آل عمران: 103].
ووالله، لو عُدْنا إلى حبل الله الواحد فتمسَّكنا به، ولم تلعب بنا الأهواء لَعُدْنا إلى الأمة الواحدة التي سادتْ الدنيا كلها.
إذن: { إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } [الأنبياء: 93] أي: في الآخرة للحساب، وأنا أقول يا رب .. لعل هذا الرجوع يكون في الدنيا بأنْ تعضَّنا قوانين البشر، فنفزع إلى الله ونعود إليه من جديد، فيعود لنا مجدنا، ويصْدُق فينا قَوْل الرسول صلى الله عليه وسلم:
"بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء" .
ويُعزِّز هذا الفهم ويُقوِّي هذا الرجاء قول الله تعالى بعدها:
{ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ .. }.