خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٧١
-الحج

خواطر محمد متولي الشعراوي

كأن العبادة - وهي: طاعة أمر واجتناب نهي - يجب أن تكون صادرة من أعلى منا جميعاً، فليس لأحد منا أن يُشرِّع للآخر، فيأمره أو ينهاه؛ لأن الأمر من المساوى لك لا مُرجح له، وله أنْ يقول لك: لماذا أنت تأمر وأنا أطيع؟ أما إنْ جاء الأمر من أعلى منك فأنت تطيع بلا اعتراض، ومعك الحجة أن الأمر من أعلى، تقول: أبي أمرني بكذا وكذا، أو ربي أمرني بكذا وكذا، أو نهاني عن كذا وكذا.
إذن: كل دليل على حكم الفعل أو الترك لا بُدَّ أنْ يكون مصدره من الحق سبحانه وتعالى، فهو الأعلى مني ومنك، وإذا انصعْتَ لأمره ونهيه فلا حرجَ عليَّ ولا ضرر؛ لأنني ما انصعت لمساوٍ إنما انصعت لله الذي أنا وأنت عبيد له، ولا غضاضةَ في أن نتبع حكمه.
لذلك في حِكَم أهل الريف يقولون: (اللي الشرع يقطع صباعه مَيْخُرش دم) لماذا؟ لأنك ما قطعته أنت إنما قطعه الله، فليس الأمر تسلط أو جبروت من أحد، وليس فيه مذلّة ولا استكانة لأحد.
ومعنى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ .. } [الحج: 71] يعني: يعبدون غيره تعالى { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً .. } [الحج: 71] السلطان: إما سلطان قَهْر، أو سلطان حجة، سلطان القهر أن يقهرك ويجبرك على ما لم تُرِدْ فِعْله، أما سلطان الحجة فيقنعك ويُثبِت لك بالحجة أن تفعل باختيارك، وهذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله ليس لها سلطان، لا قَهْر ولا حُجّة.
لذلك؛ في جدل إبليس يوم القيامة للذين اتبعوه يقول لهم:
{ { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي .. } [إبراهيم: 22] يعني: كنتم على إشارة فاستجبتم لي، وليس لي عليكم سلطان، لا قوة أقهركم بها على المعصية، ولا حجة أقنعكم بها.
ثم يقول تعالى: { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ .. } [الحج: 71] يعني: علم الاجتهاد الذي يستنبط الأحكام من الحكم المُجْمل الذي يُنزِله الحق تبارك وتعالى، وهذه هي حجة العلم التي قال الله تعالى عنها:
{ { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ .. } [النساء: 83] يعني: أهل العلم.
إذن: العبادة لا بُدَّ أن تكون بسلطان من الله نصاً قاطعاً وصريحاً لا يحتمل الجدل، وإما أنْ تكونَ باجتهاد أُولِي العلم.
وقوله تعالى: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [الحج: 71] لم يقُلْ سبحانه: لن ينتصر الظالمون، ولم ينْفِ عنهم النصر؛ لأن هذه مسألة مُسلمة إنما لا يفزع لنصرتهم أحد، فلن ينتصروا ولن ينصرهم أحد، ولا يفزع أحد لينصر أحداً إلا إذا كان المنصور ضعيفاً.
ثم يقول سبحانه:
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ ... }.