خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ
٤
-المؤمنون

خواطر محمد متولي الشعراوي

الزكاة أولاً تطلق على معنى التطهير، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: { { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103] لأن الغفلة قد تصيب الإنسان حال جمع المال، فيخالط ماله ما فيه شبهة مثلاً، فيحتاج إلى تطهير، وتطهير المال يكون بالصدقة منه.
والزكاة بمعنى النماء، فبعد أن تُطهر المال تُنمِّيه وتزيده، كما جاء في قوله تعالى:
{ { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس: 9] يعني: نمَّى ملَكة الخير فيها، ورقَّاها وصعَّدها بأن ينظر إلى العمل إنْ كان سينقص منك في الظاهر، إلا أنه سيجلب لك الخير فيما بعد، فترتقي بذلك ملكَات الخير في نفسك.
لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن الربا، وهو الزيادة جمع المتناقضات في آية واحدة، فالربا يزيد المال ويأخذ المرابي المائة مائة وعشراً، في حين تنقص الزكاة من المال في الظاهر، فالمائة بعد الزكاة تصبح سبعة وتسعين ونصفاً، ثم تأتي الآية لتضع أمامك المقياس الحقيقي:
{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276]، فالربا الذي تظنه زيادة هو مَحْقٌ، والذي تظنه نقصاً هو بركة وزيادة ونماء.
وفي آية أخرى يقول تعالى:
{ { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [الروم: 39] أي: الذين يضاعف الله لهم ويزيدهم.
وكما أمرنا ربنا - تبارك وتعالى - بالخشوع في الصلاة أمرنا كذلك في الزكاة، فلم يقل: مؤدون. ولكن { فَاعِلُونَ } [المؤمنون: 4] وهذه من تربية مقامات العبادة في الإنسان، فأنت حين تصلي ينبغي أن تخشع وتخضع في صلاتك لله، وكذلك حين تُزكّي تُرقِّي ملكَة الخير في نفسك، فحين تعمل وتسعى لا تعمل على قَدْر حاجتك، وإنما على قَدْر طاقتك، فتأخذ من ثمرة سَعْيك حاجتك، وفي نيتك أن تُخرِج من الباقي زكاة مالك وصدقتك، فالزكاة - إذن - في بالك وفي نيتك بدايةً.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ ... }.