خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٥٣
-النور

خواطر محمد متولي الشعراوي

القَسَم: هو اليمين والحَلِف، والإنسان يُقسِم ليؤكد المقسَم عليه يريد أن يطمئن المخاطب على أن المقسَم عليه حَقٌّ، وهؤلاء لم يقسموا بالله سِراً في أنفسهم، إنما { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ .. } [النور: 53] يعني: بَالَغوا وأتَوْا بمنتهى الجهد في القسم، فلم يقل أحدهم: وحياة أمي أو أبي، إنما أقسموا بالله، وليس هناك قَسَم أبلغ من هذا القسم، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت" .
فلما أقسموا بالله للرسول أنْ يخرجوا من بيوتهم وأولادهم وأموالهم إلى الجهاد مع رسول الله فضح الله سرائرهم، وكشف سترهم، وأبان عن زيف نواياهم، كما قال في آية أخرى: { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ .. } [النساء: 81].
وتأمل دقَّة الأداء القرآني في:
{ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ .. } [النساء: 81] وهذا احتياط؛ لأن منهم أُنَاساً يراود الإيمان قلوبهم ويفكرون في أنْ يُخلِصوا إيمانهم ونواياهم لله تعالى، ويعودوا إلى الإسلام الصحيح.
والقرآن يفضح أمر هؤلاء الذي يُقسِمون عن غير صِدْق في القَسَم، كمن تعوَّد كثرة الحَلِف والحِنْث فيه؛ لذلك ينهاهم عن هذا الحَلِف: { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ .. } [النور: 53] ولا يمكن أن ينهي المتكلمُ المخاطبَ عن القسم خصوصاً إذا أقسم على خير، لكن هؤلاء حانثون في قَسَمهم، فهو كعدمه، فهم يُقسِمون باللسان، ويخالفون بالوجدان.
وقوله تعالى: { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ .. } [النور: 53]. يُشعِر بتوبيخهم، كأنه يقول لهم: طاعتكم معروفة لدينا ولها سوابق واضحة، فهي طاعة باللسان فحسب، ثم يؤكد هذا المعنى فيقول: { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [النور: 53] والذي يؤكد هذه الخبرة أنه يفضح قلوبهم ويفضح نواياهم.
والعجيب أنهم لا يعتبرون بالأحداث السابقة، ولا يتعظون بها، وقد سبق لهم أنه كان يجلس أحدهم يُحدِّث نفسه الحديث فيفضح الله ما في نفسه ويخبر به رسول الله، فيبلغهم بما يدور في نفوسهم، كما جاء في قول الله تعالى:
{ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ .. } [المجادلة: 8].
ومع ذلك لم يعتبروا ولم يعترفوا لرسول الله بأنه مُؤيَّد من الله، وأنه تعالى لن يتخلى عن رسوله، ولن يدعه لهم يخادعونه ويغشُّونه، وهذه سوابق تكررتْ منهم مرات عِدّة، ومع ذلك لم ينتهوا عما هم فيه من النفاق، ولم يُخلِصوا الإيمان لله.
وبعد هذا كله يوصي الحق تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُبقِي عليهم، وألاَّ يرمي (طوبتهم) لعل وعسى، فيقول عز وجل:
{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ... }.