خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
١٥٢
-الشعراء

خواطر محمد متولي الشعراوي

فوصف المسرفين بأنهم مفسدون في الأرض غير مصلحين، كأن الأرض خلقها الخالق - عز وجل - على هيئة الصلاح في كل شيء، لكن يفسدها الإنسان بتدخّله في أمورها؛ لذلك سبق أن قلنا: إنك لو نظرتَ إلى الكون من حولك لوجدته على أحسن حال، وفي منتهى الاستقامة، طالما لا تتناوله يد الإنسان، فإنْ تدخّل الإنسان في شيء ظهرتْ فيه علامات الفساد.
ولا يعني هذا ألاَّ يتدخل الإنسان في الكون، لا إنما يتدخل على منهج مَنْ خَلقَ فيزيد الصالح صلاحاً، أو على الأقل يتركه على صلاحه لا يفسده، فإن تدخَّل على غير هذا المنهج فلا بُدَّ له أن يفسد.
فحين تمر مثلاً ببئر ماء يشرب منه الناس، فإما أنْ تُصلح من حاله وتزيده ميزة وتُيسِّر استخدامه على الناس، كأن تبني له حافّة، أو تجعل عليه آلة رَفْع تساعد الناس، أو على الأقل تتركه على حاله لا تفسده؛ لذلك يقول تعالى:
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [البقرة: 205].
أما هؤلاء القوم فلم يكتَفِ القرآن بوصفهم بالفساد وحسب، إنما أيضاً هم { وَلاَ يُصْلِحُونَ } [الشعراء: 152] ذلك لأن الإنسان قد يُفسِد في شيء، ويُصلح في شيء، إنما هؤلاء دأبهم الفساد، ولا يأتي منهم الصلاح أبداً.
ونكبة الوجود من الذين يصنعون أشياء يروْنها في ظاهرها صلاحاً، وهي عَيْن الفساد؛ لأنهم لم يأخذوها بكل تقنيناتها القيمية، وانظر مثلاً إلى المبيدات الحشرية التي ابتكروها وقالوا: إنها فتح علمي، وسيكون لها دور كبير في القضاء على دودة القطن وآفات الزرع، وبمرور الزمن أصبحت هذه المبيدات وبالاً على البشرية كلها، كيث تسمَّم الزرع وتسمَّم الحيوان، وبالتالي الإنسان، حتى الماء والتُّرْبة والطيور، لدرجة أنك تستطيع القول أنها أفسدت الطبيعة التي خلقها الله.
وفي هؤلاء قال تعالى:
{ { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 103-104].
ثم يقول الحق سبحانه:
{ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ ... }.