خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ
١٥٣
-الشعراء

خواطر محمد متولي الشعراوي

{ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء: 153] جمع مُسحَّر، وهي صيغة مبالغة تدلُّ على وقوع السحر عليه أكثر من مرة، نقول: مسحور يعني: مرة واحدة ومُسَحَّر يعني عدة مرات، ومن ذلك قوله تعالى عن ملأ فرعون أنهم قالوا له: { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } [الشعراء: 36-37].
ولم يقل: بكل ساحر، إنما سحَّار يعني: هذه مهنته، وكما تقول: ناجر ونجار، وخائط وخياط.
وإنْ كان بعضهم قال عن نبيهم:
{ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [الإسراء: 47] فهؤلاء يقولون لنبيهم { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء: 153] وعجيب أمر أهل الباطل؛ لأنهم يتخبطون في هجومهم على الأنبياء، فمرَّة يقولون: ساحر. ومرة يقولون: مسحور، كيف والساحر لا يكون مسحوراً؛ لأنه على الأقل يستطيع أن يحمي نفسه من السحر. قالوا: بل المراد بالمسحور اختلاط عقله، حتى إنه لا يدري ما يقول.
ثم إن نبيكم صالحاً - عليه السلام - إنْ كان مسحوراً فمَنْ سحره؟ أنتم أم أتباعه؟ إنْ كان سحره منكم فأنتم تقدرون على كَفِّ سحركم عنه، حتى يعود إلى طبيعته، وترونه على حقيقته، وإنْ كان من أتباعه، لا بُدَّ أنهم سيحاولون أنْ يعينوه على مهمته، لا أن يُقعدوه عنها.
إذن: فقولهم لنبيهم: { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء: 153] يريدون أن يخلُصُوا إلى عدم اتباعه هو بالذات، فهم يريدون تديُّناً على حسب أهوائهم، يريدون عبادة إله لا تكليفَ له ولا منهج. كالذين يعبدون الأصنام وهم سعداء بهذه العبادة، لماذا؟
لأن آلهتهم لا تأمرهم بشيء ولا تنهاهم عن شيء. لذلك، فكل الدجالين ومُدَّعُو النبوة رأيناهم يُخفِّفون التكاليف عن أتباعهم، فقديماً أسقطوا عن الناس الزكاة، وحديثاً أباحوا لهم الاختلاط، فلا مانع لديهم من الالتقاء بالمرأة والجلوس معها ومخاطبتها والخُلْوة بها والرقص معها، وماذا في ذلك ونحن في القرن الحادي والعشرين؟
فإنْ قالوا: ساحر، نردُّ عليهم نعم هو ساحر، قد سحر مَنْ آمنوا به، فلماذا لم يسحركم أنتم وتنتهي هذه المسألة؟ إذن: هذه تُهَم لا تستقيم، لا هو ساحر، ولا هو مسحور، إنه مجرد كذب وافتراء على أنبياء الله، وعلى دعاة الخير في كل زمان ومكان.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى:
{ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ... }.