خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩
-القصص

خواطر محمد متولي الشعراوي

معنى { قُرَّةُ عَيْنٍ .. } [القصص: 9] مادة قرَّ تقول: قرَّ بالمكان يعني: أقام وثبت به، ومنه قرور يعني: ثبات، وتأتي قرَّ بمعنى البرد الشديد، ومنه قول الشاعر:

أَوْقِدْ فإنَّ الليْلَ لَيْلٌ قُرٌّ والرِّيحُ يَا غُلاَمُ رِيحٌ صرّ
إنْ جلبْتَ ضَيْفاً فأنتَ حُرّ

إذن: قرة العين إما بمعنى ثباتها وعدم حركتها، وثبات العين واستقرارها إما يكون ثباتاً حسياً، أو معنوياً، والثبات المعنوي: أنْ تستقر العين على منظر أو شيء بحيث تكتفي وتقنع به، ويغنيها عن التطلُّع لغيره.
ومنه قولهم: فلان ليس له تطلعات أخرى، يعني اكتفى بما عنده، ومنه ما قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم:
{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ .. } [طه: 131].
لذلك يُسمُّون الشيء الجميل الذي يجذب النظر، فلا ينظر إلى غيره (قيد النظر) يقول الشاعر:

سَمَّرْتُ عَيْني في القَمَرِ فَنَالَ مِنِّي مَنْ نَظَر
يَا ليْتَ لائمي عذر فحُسْنه قَيْد النَّظرْ

أما الثبات الحسي فيعني: ثبات العين في ذاتها بحيث لا ترى، ومنه قول المرأة للخليفة: أقرَّ الله عينك، وأتم عليك نعمتك. تُوهِم أنها تدعو له، وهي في الحقيقة تدعو عليه تقصد: أقرَّ الله عينك.
يعني: سكَّنها وجمدها بالعمى، وأتمَّ عليك نعمتك. وتمام الشيء بداية نقصه على حَدِّ قول الشاعر:

إذَا تَمَّ شَيء بَدَا نَقْصُه ترقَّبْ زَوَالاً إذاَ قِيلَ تَمّ

أما القرُّ بمعنى البرد، فمن المعلوم عن الحرارة أن من طبيعتها الاستطراق والانتشار في المكان، لكن حكمة الله خرقتْ هذه القاعدة في حرارة جسم الإنسان، حيث جعل لكل عضو فيه حرارته الخاصة، فالجلد الخارجي تقف حرارته الطبيعية عند 37، في حين أن الكبد مثلاً لا يؤدي مهمته إلا عند 40.
أما العين فإذا زادتْ حرارتها عن 9 تنصهر، ويفقد الإنسان البصر، والعجيب أنهما عضوان في جسم واحد، فهي آية من آيات الله في الخلق، لذلك حين ندعو لشخص نقول له: أقرَّ الله عينك يعني: جعلها باردة سالمة، ألاَ ترى أن الإنسان إذا غَضِب تسخنُ عينه ويحمّر وجهه؟
فالمعنى هنا { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } [القصص: 9] يعني يكون نعمة ومتعة لنا، نفرح به ونقنع، فلا ننظر إلى غيره.
وفي موضع آخر يشرح لنا الحق سبحانه قُرَّة العين:
{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ .. } [الأحزاب: 18-19].
فهؤلاء تدور أعينهم هنا وهناك كما نقول نحن: (فلان عينه لايجة) يعني: لا تهدأ، إما من خوف، أو من قلق، أو من اضطراب، وهذا كله ينافي قُرَّة العين.
وقولها بعد ذلك { لاَ تَقْتُلُوهُ .. } [القصص: 9] تعني: أنهم فعلاً هَمُّوا بقتله، ففي بالهم إذن أن هلاك فرعون على يدي هذا الطفل، وهم على يقين من ذلك.
{ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [القصص: 9] يعني: لا يشعرون بنفعه لهم أو عدم نفعه، وهل سيكون لهم ولداً أم عدواً؟
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ ... }.