خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٠
-العنكبوت

خواطر محمد متولي الشعراوي

السير: الانتقال من مكان إلى مكان، لكن نحن نسير في الأرض أم على الأرض؟ الحقيقة أننا كما قال سبحانه { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ .. } [العنكبوت: 20] أي: نسير فيها؛ لأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض من الأرض، فبدونه لا تستقيم الحياة عليها، إذن: حين تسير تسير في الأرض فهي تحتك، وغلافها الجوي فوقك، فكأنك بداخلها.
والعلة في السير { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ .. } [العنكبوت: 20] وفي آية أخرى
{ { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ .. } [الأنعام: 11]؛ لأن السير من أرض لأخرى له دافعان: إما للسياحة والتأمل والاعتبار، وإما للتجارة والاستثمار، إنْ ضاق رزقك في بلادك. فقوله: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ .. } [العنكبوت: 20] أي: نظر اعتبار وتأمل.
أما في
{ { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ .. } [الأنعام: 11] فثم تفيد العطف والتراخي، كأنه سبحانه يقول لنا: سيروا في الأرض للاستثمار، ثم انظروا نظرة التأمل والاعتبار، ولا مانع من الجمع بين الغرضين.
وتذكرون أن الحق سبحانه قال في السورة السابقة (القصص):
{ { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ .. } [القصص: 85] والمراد بذلك الهجرة، وفي هذه السورة تأتي: { { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } [العنكبوت: 56].
والمعنى: إن ضاق رزقك في مكان فاطلبه في مكان آخر، أو: إنْ لم تكُنْ الآيات الظاهرة لك كافية لتشبع عندك الرغبة في الاعتبار والتأمل فسِرْ في الأرض، فسوف تجد فيها كثيراً من الآيات والعِبَر في اختلاف الأجناس والبيئات والثمار والأجواء .. إلخ.
لذلك يقول سبحانه:
{ { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .. } [النساء: 97].
فالأرض كلها لله لا حدودَ فيها، ولا فواصلَ بينها، فلما قسَّمها الناس وجعلوا لها حدوداً تمنع الحركة فيها حدثت كثير من الإشكالات، وصَعُبَ على الناس التنقل للسياحة أو لطلب الرزق إنْ ضاق بأحد رزقه.
وها هي السودان بجوارنا بها مساحات شاسعة من الأراضي الخِصْبة التي إنْ زُرِعت سدَّتْ حاجة العالم العربي كله، أنستطيع الذهاب لزراعتها؟ ساعتها سيقولون: جاءوا ليستعمرونا.
لذلك لما أتيح لي التحدث في هيئة الأمم قلت: إنه لا يمكن أنْ تُحلَّ قضايا العالم الراهنة إلا إذا طبَّقنا مبدأ الخالق - عز وجل - وعُدْنا إلى منهجه الذي وضعه لتنظيم حياتنا، وكيف نضع بيننا هذه الحدود الحديدية والأسلاك الشائكة، وربنا يقول:
{ { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10].
فالأرض كلُّ الأرض للأنام كل الأنام، ويوم نحقق هذا المبدأ فلن يضيق الرزق بأحد، لأنه إنْ ضاقَ بك هنا طلبته هناك؛ لذلك أكثر الشكوى في عالم اليوم إمَّا من أرض بلا رجال، أو من رجال بلا أرض، فلماذا لا نُحدِث التكامل الذي أراده الله في كونه؟
إذن: فالسير هنا مترتب عليه الاعتبار { كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ .. } [العنكبوت: 20] وما دُمْنا قد آمنا بأن الله تعالى هو الخالق بداية، فإعادة الخَلْق أهون، كما قال سبحانه:
{ { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ .. } [ق: 15] فيشكُّوا في الخَلْق الآخر؟ لذلك يؤكد الخالق سبحانه هذه القدرة بقوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [العنكبوت: 20].
ثم يقول الحق سبحانه:
{ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ... }.