خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-لقمان

خواطر محمد متولي الشعراوي

وصف الحق سبحانه قرآنه بأنه هدى، أما هنا فيقول: { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى } [لقمان: 5] والمتكلم هو الله - عز وجل - فلا بُدَّ أنْ نتأمل المعنى، ربنا عز وجل يريد أنْ يقول لنا نعم القرآن هُدى، لكن إياك أنْ تظن أنك حين تتبع هذا الهدى تنفعه بشيء، إنما المنتفع بالهداية أنت، فحين تكون على الهدى يدلُّك ويسير بك إلى الخير، فالهدى كأنه مطية يُوصِّلك إلى الخير والصلاح، فأنت مُسْتعلٍ على الهدى إنْ قَبِلْتَه، وإنْ كان هو مُسْتَعلياً عليك تشريعاً.
ثم هو هدى ممَّنْ؟ { هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } [لقمان: 5] ممن لا يستدرك عليه، فإنْ دلَّك دلَّك بحق، وهَبْ أن البشر اهتدوْا إلى شيء فيه خير، لكن بعد فترة يعارضون هم أنفسهم هذا الطريق، ويكتشفون له مضارّ ومثالب، ويستدركون عليه، وربما يعدلون عنه إلى غيره، وكم هي القوانين البشرية التي أُلغيت أو عُدِّلت؟
إذن: الهداية والدلالة الحقة لا تكون إلا لله، والقانون الذي ينبغي أن يحكمنا ونطمئن إليه لا يكون إلا لله، لماذا؟ لأن البشر ربما ينتفعون من قوانينهم، وقد تتحكم فيهم الأهواء أو يميلون لشخص على حساب الآخر، أما الحق - سبحانه وتعالى - فهو وحده سبحانه الذي لا ينتفع بشيء مما شرع لعباده، ولا يحابي أحداً على حساب أحد، والعباد كلهم عباده وعنده سواء.
لذلك يطمئننا الحق سبحانه على تشريعه وعدالته سبحانه، فيقول
{ { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [الجن: 3] يعني: اطمئنوا، فربكم ليس له صاحبة تؤثر عليه، ولا ولد يظلم الناس فيحابيه، فأنتم جميعاً عنده سواسية.
ثم هناك فَرْق بين هُدى من الله، وهدى من الرب، فالرب هو الذي ربَّاك، هو الذي أوجدك من عَدم، وأمدك من عُدْم، وأعطاك قبل أنْ تعرف السؤال، وتركك تربع في كونه وتتمتع بنعمه.
لذلك يُعلمك ربك: إياك أنْ تسألني عن رزق غدٍ؛ لأنني رزقْتُك قبل أنْ تعرف أن تسأل، ثم لم أطالبك بعبادة غدٍ، إذن: ليكُنْ العبد مؤدباً مع ربه عزوجل.
وهكذا نتبين أن الربوبية عطاء، أما الألوهية فتكليف.
ثم يخبر الحق سبحانه عنهم بخبر آخر { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [لقمان: 5] فالفلاح نتيجة الهدى الذي ساروا عليه واتبعوه، كما قال تعالى:
{ { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1].
الفلاح أصله من فلاحة الأرض بالحرث والبَذْر والسَّقْي .. الخ، فاستعارها أسلوب القرآن للعمل الصالح، ووجه الشبه بين الأمرين واضح، فالفلاح يلقي الحبة فيضاعفها له ربه سبعمائة حبة، كذلك العمل الصالح يُضَاعَف لصاحبه، فالحسنة عند الله بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
{ { وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [البقرة: 261].
واقرأ في كتاب الله هذا المثل:
{ { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261].
وتأمل الاستدلال هنا: إذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعطي كل هذا العطاء، فكيف يكون عطاء مَنْ خلقها؟ إذن: فهم لاشكَّ مفلحون أي: فائزون بالثمرة الطيبة التي تفوق ما بذلوه من مشقة، كما يزرع الفلاح الأرض فتعطيه أضعاف ما وُضِع فيها.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ ... }.