القرآن الكريم يحكي هذا الموقف عن المنافقين، ويكشف نواياهم السيئة، فبعد أنْ تجمَّع الأحزاب وخرجوا لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال هؤلاء المنافقون { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ .. } [الأحزاب: 20] فهذا التجمُّع يخيفهم ويروعهم؛ لذلك لم يُصدِّقوه، فقد رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ينتصر على أعدائه متفرقين، وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها أعداء الإسلام على اختلافهم.
إذن: استبعد المنافقون تجمُّع الأحزاب هذا التجمع، وبعد ذلك ينفضون دون أنْ يصنعوا حَدَثاً يُذكر في التاريخ.
والحُسْبان: ظن، أي: ليس حقيقة.
{ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ .. } [الأحزاب: 20] أي: إنْ يتجمع الأحزاب يودُّ المنافقون لو أنهم بادون أي: مقيمون في البادية بعيداً عن المدينة؛ لأنهم يخافون من مطلق التجمع، ولأنهم إنْ بَقَوْا في المدينة إما أنْ يحاربوا الأحزاب وهم غير واثقين من النصر، وإما ألاَّ يحاربوا فيصيرون أعداءً للمسلمين.
فهم يريدون - إذن - أنْ يعيشوا في النفاق، وألاَّ يخرجوا منه؛ لذلك يودون عيشة البادية مع الأعراب، ومن بعيد { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ .. } [الأحزاب: 20] أي: ما حدث لكم في هذه المواجهة.
ثم يقرر القرآن هذه الحقيقة: { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 20] أي: درْءاً للشبهات، وذَرّاً للرماد في العيون، إذن: لا تأْسَ عليهم، ولا تحزن لتخلُّفهم.