خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
٢٦
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٧
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

بناء الفعل (قيل) للمجهول يفيد التعميم، فمَنِ الذي قال له ادخل الجنة، ومتى قال؟ في القرآن آية نقرؤها تجيب عن ذلك، اقرأ قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30].
فالرجل الذي وقف هذا الموقفَ الإيماني متبرعاً، وجاء من أقصى المدينة يسعى ليساند الرسل في أمر لم يُكلِّف به، ويأتي للقوم المكذِّبين بحجج وبراهين لم يَأْتِ بها الرسل أنفسهم جدير بأنْ تتنزَّل عليه الملائكة، وبأن تبشره بالجنة. أو: أن الحق سبحانه حكى عنه ما يقوله بعد أنْ يموت ويدخل الجنة، وهذا إكبار من الله له.
ومن مؤهلات هذا الرجل لدخول الجنة أنه لم ينظر إلى حَظِّ نفسه من التديُّن، إنما نظر أيضاً إلى حَظِّ إخوانه، فحتى بعد أنْ بُشِّر بالجنة، أو بعد أنْ دخلها لم ينشغل بنعيمها عن قومه، إنما قال { يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } [يس: 26] يعني: ما أنا فيه من النعيم، وما انتهى إليه أمر الإيمان والطاعة، ليعملوا مثلي ولينالوا ما نِلْت، إنهم لو علموا لتهافتوا على الإيمان، وأقبلوا على الطاعة أكثر من تهافتهم على الكفر والمعصية.
وقوله: { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [يس: 27] لاحظ أن المغفرة سبقتْ المكرُمة، وهذه المسألة يسمونها التخلية والتحلية، وسبق أن مثَّلْنا لها بالثوب حين تريد أنْ تكويه مثلاً: أتذهب به إلى (المكوجي) بما عليه من وسخ؟ لا إنما تنظفه أولاً، ثم تُزيِّنه بالكَيِّ.
كذلك الحق سبحانه وتعالى - ولله المثل الأعلى - قبل أنْ يُدْخِل عبده الجنة يُنقِّيه أولاً من الذنوب، ويطهره مما عَلَق به، وهذه هي التخلية، ثم يُكرمه بالجنة، وهذه هي التحلية، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى:
{ { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [آل عمران: 185].
فالحق سبحانه يمتنُّ علينا أولاً بأن يُزحزِحنا عن النار بمغفرة الذنوب، ثم يُكرمنا بدخول الجنة كرامةً منه وفَضلاً.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ ... }.