خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ
٣٧
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى { وَآيَةٌ لَّهُمُ } [يس: 37] يعني: خاصة بهم، وليست آية للكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم آمن بفطرته، ولم يكن بحاجة إلى دليل ليؤمن، كذلك المؤمن لا يبحث عن الدليل ألا ليردَّ به على مَنْ ينكر.
و { ٱلَّيلُ } [يس: 37] هو قسيم النهار، فاليوم يتكوَّن من ليل ونهار، وليس من الدقة في المقابلات أن نقول اليوم والليل؛ لأن اليوم يشمل الليل والنهار، فكلاهما يوم، لكن البعض نظر إلى قوله تعالى
{ { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [الحاقة: 7] فأطلق اليوم مقابل الليل بدل النهار.
والليل ظلمة، وفيها السكون يشبه النوم الذي تنامه بالليل، والنوم يشبه الموت، والليل يقابل النهار لكن لا يعانده ولا يضاده كما يظن البعض، فالليل يقابل النهار، وبينهما تكامل؛ لأن لكل منهما مهمة في الحياة، الليل جُعِل لنهدأ من حركة النهار ونستريح لنستأنف نهاراً جديداً بنشاط، والنهار جُعِل للعمل وللسعي نستغل فيه راحة الليل.
إذن: هما متعاضدان لا متعاندان، وكل شيء له مقابل، إياك أن تأخذه على أنه ضِدّ، بل انظر إلى أنه شيء ضروري لا بُدَّ أن يكون.
لذلك الحق سبحانه يلفتنا في الزمن إلى هذه المسألة، فيقول:
{ { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 71-72].
إذن: لكل منهما مهمة، ولا يُغني أحدهما عن الآخر، ومن دِقَّة الأداء القرآني أنْ يقول سبحانه في الليل
{ { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [القصص: 71] وفي النهار { { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 72] لأن الليل ظلمة، وأداة الاستدعاء فيه الأذن، أما النهار فضياء نبصر فيه.
إذن: لا يصح أن نجعل من كلِّ متقابلين متضادين، فالتكامل غير التضادّ، كذلك أراد الله تعالى أنْ يَحلَّ بهذه المسألة مشكلة لا تزال العصور تتصارع فيها إلى الآن، مشكلة التقابل بين الذكورة والأنوثة، أو الرجل والمرأة، والآن نسمع مَنْ ينادي بأن المرأة مثل الرجل، كيف ولكل منهما مهمة نوعية، إنهما متكاملان مثل تكامل الليل والنهار.
وقد أشار الحق سبحانه إلى هذا التكامل في قوله سبحانه:
{ { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل: 1-4].
ومعنى
{ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل: 4] يعني: مختلف، ولكُلٍّ مهمة يؤديها في الحياة، فالذين ينادون الآن بالمساواة بين الرجل والمرأة إنما يظلمون المرأة؛ لأنهم يريدون للمرأة أنْ تقوم بدور الرجل في حركة الحياة، وبعد ذلك يتركون المرأة تقوم هي بالخصوصية التي لا يؤديها إلا هي، إذن: هي أخذت من مهمة الرجل، ولم يأخذ الرجل من مهمتها. إذن: الحق سبحانه يخلق المتقابلات لتتكامل لا لتتعارض، وتتساند لا لتتعاند، فهي مسألة موزونة بحساب.
وقوله سبحانه: { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] السلخ كَشْط الجلد عن الشاة، فما العلاقة بين هذه المسألة وضوء الليل والنهار؟ قالوا: الأصل في الشيء الظلمة، ولا تظهر الظلمة إلا بمنير طارئ, فالليل ظلمة، ثم يأتي ضوء النهار فيستر هذه الظلمة، فكأن النهار حينما يأتي يستر الظلمة كما يستر جلدَ الشاة لحمُها، فإذا ما أراد الحق سبحانه أنْ يأتي الظلام يخلع الضوء، كما نسلخ جلد الشاة عن لحمها.
إذن: فالليل يأتي على طبيعته لأنه الأصل؛ لذلك قال سبحانه: { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } [يس: 37] فالظلام عدم نور، أما النور فإيجاد، ويحتاج إلى آلة جديدة، فلو تركت الليل لحاله لظلَّ مظلماً، ولولا آلة الضوء لظلَّ ليلاً، إذن: للضوء آلة. أما الظلام فليس له آلة حينما تعمل يأتي الظلام، أو قُلْ الظلام أمره عدمي، أما الضوء فأمره وجودي، فإذا قيل: نسلخ منه النهار فقد شبه الضوء الذي يغطي الظلام بالجلد الذي يغطي لحم الشاة.
والمعنى: نذهب بهذا الغلاف الضوئي الذي يستر الليل، فيحلّ الظلام أي: يظهر على طبيعته ومن تلقاء نفسه؛ لذلك جاء الأداء القرآني بإذا الدالة على المفاجأة { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } [يس: 37] فكأن المسألة تلقائية لا تحتاج إلى ترتيب.
ثم يقول سبحانه:
{ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ... }.