خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

الصراط: هو الطريق، وله معنى آخر يوم القيامة، هو الصراط المضروب على متْن جهنم يمرُّ عليه البَارُّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ويختلف المارُّ عليه باختلاف عمله في الدنيا، فواحد يمرُّ عليه كالبرق الخاطف، مع أنه أَحَدٌ من السيف وأدَقُّ من الشعرة، وآخر يمرُّ عليه كأسرع جَوَاد، وآخر يمر عليه حَبْواً، وآخر يقع في جهنم، والعياذ بالله.
وحين تمر على الصراط لن يكون معك عَصَا تحفظ بها توازنك كلاعب السيرك مثلاً؛ لأن الذي يزنُ حركتك على الصراط هو القرآن الذي استمسكْتَ به في الدنيا، فكأن المؤمن حين يمرُّ على الصراط لا يكون توازنه من تحته إنما من أعلى، من جهة القرآن، فهو أشبه بالكباري المعلَّقة التي لا يحملها شيء من تحتها، لكنها مشدودة من أعلى بما يمسكها ويحفظ توازنها، كذلك حال المؤمن على الصراط.
والصراط في معناه العام هو الطريق المستقيم الذي يوصلك للغاية من أقرب مسافة وأيسرها، لكن عبارة القرآن { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [يس: 4] فيها إشارة إلى أن الصراط له مهمة، هي أنْ يُوصّلك إلى الغاية المرادة، فالصراط في خدمتك.
ومثل ذلك قوله سبحانه:
{ { عَلَىٰ هُدًى } [البقرة: 5] البعض يفهم أن الهداية تقتضي التكاليف وتقييد الحركة، وأن في الهداية مشقة وعنتاً، لكن لفظ الآية يعني خلاف ذلك، فمعنى { { عَلَىٰ هُدًى } [البقرة: 5] أنك تعتلي الهدى، وكأنه مطية لك توصَِّلك لغايتك المجيدة، فهو يحملك، لا تحمله أنت.
ووَصْف الصراط بأنه مستقيم، لأننا تعلمنا في الهندسة أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين، فحين تريد مثلاً الانتقال من مكان إلى مكان، فـ (من) للابتداء، و (إلى) للغاية التي تريدها، وما دُمْتَ لا يعنيك إلا البداية والغاية، فالتيسير يقتضي أنْ تسلك أقرب الطرق وأقصرها وهو الخط المستقيم؛ لأن كل التواء في الطريق أو منعطف يكون في خط السير مُثلَّثاً من ضلعين، ويكون الطريق المستقيم هو الضلع الثالث.
ومعلوم أن مجموع أيِّ ضلعين في المثلث أطول من الثالث، إذن: يطول عليك الطريق؛ لذلك يُحدِّثنا القرآن عن الصراط المستقيم، وعن سواء السبيل يعني: الجهة اليمين تساوي الجهة اليسار.
لكن، لماذا كان طريق المؤمنين صراطاً مستقيماً؟ لأن الله تعالى هو الذي شرعه في منهج خَلْقه، ولأنه مُنزَّل من الله.