خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٩
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

معنى: { وَٱمْتَازُواْ } [يس: 59] أي: تميّزوا أيها المجرمون عن المؤمنين، وانحازوا بعيداً عنهم، تجمعوا في جانب واحد لترواْ دخول المؤمنين الجنة، وتظلوا أنتم في الموقف لتزداد حسرتكم.
وقد اقتضتْ حكمة الله تعالى أنْ يُميز المؤمنين والكافرين بمعنى: أن يُعرف كُلُّ منهم، وذلك في غزوة الحديبية،
"فلما مُنِع المسلمون من دخول مكة وهم على مشارفها حَزِن المسلمون حُزْناً شديداً، حتى كبار الصحابة مثل عمر بن الخطاب الذي قال لرسول الله: لِمَ نقبل الدَّنيَّة في ديننا؟
وكاد المسلمون يخالفون أمر رسول الله حتى قال لزوجته السيدة أم سلمة: هلك الناس يا أم سلمة، أمرتُهم فلم يطيعوا فقالت: يا رسول الله، إنهم مكروبون. ذلك لأنهم مُنِعوا من دخول الحرم وهم على مقربة منه، وهذا أمر صعب على نفوسهم، ثم أشارت على رسول الله وقالت: يا رسول الله امْض إلى ما أمرك الله به فافعل، ولا تكلم أحداً، فإنهم لو رأوك عزمتَ انصاعوا، وفعلاً أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورة السيدة أم سلمة، وانتهت المشكلة"
.
وقبل أنْ يعودوا إلى المدينة بيَّن الله لهم وجه الحكمة في ذلك والعلة من صلح الحديبية، ولماذا قَبِل رسول الله شروطها. العلة أن بين كفار مكة مؤمنين يكتمون إيمانهم، ولا يعرفهم أحد، فلو دخل المسلمون مكة في هذا الوقت لحدثتْ مصادمات بين الجانبين، وعندها سيُؤْذَى هؤلاء المؤمنون الذين يكتمون إيمانهم، ولا يستطيعون الجهر به، وسيؤخذ العاطل مع الباطل.
لذلك قال سبحانه في هذه القصة من سورة الفتح:
{ { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 25] ومعنى { { لَوْ تَزَيَّلُواْ } [الفتح: 25] يعني: لو تميَّز المؤمنون عن الكافرين.
أو: يكون المعنى: { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [يس: 59] امتازوا بعلامات تميزكم وتلازمكم دائماً، بحيث لا يكون خجلكم أمامنا الآن فحسب، إنما تكون لكم سمات تُعرَفون بها، وهذه العلامة هي علامة الغضب وسواد الوجه والعياذ بالله. ومن ذلك قوله تعالى في المؤمنين:
{ { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } [البقرة: 273].