خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
-يس

خواطر محمد متولي الشعراوي

هل معنى هذا أن الله تعالى يساعدهم، ويُعينهم على الكفر؟ قالوا: نعم لأن عبدي حين أناديه فيتأبَّى عليَّ في ندائي، ولا يُقبِل عليَّ بعبوديته لي أعينه على كفره؛ لأنني رَبٌّ غني عنه، فإنْ أحب الكفر وعشقه ولم يَعُدْ هناك أمل في هدايته أختم على قلبه، فلا يدخله إيمان، ولا يخرج منه الكفر. لذلك مَنْ تجنَّى عليك وصَدَّ عنك فأعِنْه على ذلك، ولا تُذكِّره بنفسك.
إذن: ما كفر أحد غَصْباً عن الله، إنما كفر بما أودع الله فيه من اختيار، ولأنه سبحانه رَبٌّ وهو خالق العباد، فعليه سبحانه أنْ يُعينهم، كلاً على ما يريد، فالذي أراد الإيمان وأحبَّه أعانه على الإيمان، والذي أراد الكفر وعَشِقه أيضاً أعانه عليه وساعده.
لذلك ختم الله على قلوب الكافرين، وهنا يقول: { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } [يس: 9] يعني: أمامهم { سَدّاً } [يس: 9] حاجزاً ومانعاً { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [يس: 9].
هذا مانع مادي خارج عن تكوين الإنسان { فَأغْشَيْنَاهُمْ } [يس: 9] يعني: جعلنا على أبصارهم غشاوة وغطاءً، فهم مصدودون عن الحق لأشياء. أولاً: في ذواتهم أغشينا أبصارهم فلا يروْنَ ولا يهتدون؛ لأنهم بذواتهم لم يذكروا عهد الفطرة الأولى التي فطر اللهُ الناس عليها.
أما الخارج عنهم، ففي المنهج الذي لم يلتفتوا إليه، لا فيما أمامهم، ولا فيما وراءهم؛ لأن هناك سَدّاً يمنعهم، فلو تذكَّروا ما ينتظرهم لارتدعوا عن غَيِّهم، ولو تأملوا ما نزل بمَنْ سبقهم من المكذِّبين، وما حاق بهم من عذاب الله لرجعوا.
لكن جعل الله من أمامهم سَدّاً، فلا يعرفون ما ينتظرهم، ومن خَلفهم سَدّاً فلا يتدبرون ما حاق بأسلافهم، ممَّن قال الله فيهم:
{ { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا .. } [العنكبوت: 40].
فإنْ قُلْتَ: الحق سبحانه جعل سَدّاً يمنعهم من الجهة الأمامية، وسَدّاً يمنعهم من الجهة الخلفية، فماذا لو ساروا على جنب إلى اليمين، أو إلى اليسار؟ قالوا: لو ساروا وتوجهوا إلى اليسار مثلاً لَصَار اليسار بالنسبة لهم أمام، واليمين صار خلفاً، فهم إذن مُحَاصرون بالموانع، بحيث لا أمل لهم في الرجوع إلى منهج الحق، وإلى الصواب.
ويصح أن يكون المعنى { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [يس: 9] أي: مانعاً يمنعهم من التأمل والنظر في الأدلة العقلية المنصوبة أمامهم ليؤمنوا { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [يس: 9] يمنعهم، فلم ينتهوا إلى الفطرة الإيمانية المُودَعة فيهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ... }.