خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢

خواطر محمد متولي الشعراوي

نعرف أن (بل) حرف يفيد الإضراب عما قبله أو نفي ما قبله وإثبات ما بعده، فـ (بل) هنا تثبت أن الذين كفروا في عزَّة وشِقَاق، فما المنفي قبلها؟ قبلها قوله تعالى { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1] هذه معجزة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من الواجب أنْ يقتنعوا بها، وأنْ يؤمنوا بها لكنهم كفروا، فالمعنى: بل الذين كفروا ما صدَّقوه، بل هم في عِزَّة وشِقاق.
بعض العلماء يرى أن
{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1] قَسَمٌ جوابه جاء في آخر السورة في قوله تعالى: { { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ص: 64] لا .. لا يصح أن نُقدِّر القسم ثم نبحث له عن جواب مناسب.
ومعنى: { فِي عِزَّةٍ .. } [ص: 2] أي: عِزَّة الإثم، وهي التعالي والاستكبار عن الحق، وهي عزة بلا رصيد { وَشِقَاقٍ } [ص: 2] من الشق، وهو حدوث فاصل بين شيئين، ولهذه معانٍ كثيرة في اللغة، نقول: هذا في شق وذلك في شق. يعني: لا يلتقيان، مثل كلمة عدو، لأن العدوَّان لا يتفقان، وكلمة عدو أصلها في لغة العرب، ومن بيئتهم حيث توجد الوديان، والوادي له ناحيتان، كل واحدة تُسمَّى عُدوة.
ومنه قوله تعالى:
{ { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ .. } [الأنفال: 42] فعدو من العدوة. يعني: كل واحد مِنا في ناحية، ومثلها كلمة جانب، وكلمة حد كما في قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة: 5].
ومثلها كلمة انحرف، يعني: هذا في حرف، وهذا في حرف، يعني: على طرف وهذا على الطرف الآخر، ومنه قوله تعالى:
{ { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ .. } [الحج: 11] فهذه كلها ألفاظ تؤدي معنى عدم الالتقاء، كما في: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ص: 2] عزة آثمة كاذبة وشقاق يعني: اختلاف لا التقاءَ فيه، والمراد بالشِّقاق عدم اتعاظهم من سوابق الأمم مع رسلهم؛ لذلك القرآن لا يسرد لهَم تاريخاً حين يقول لهم: { { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138] إنما يُذكِّرهم بما غفلوا عنه.
وهنا يقول:
{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ... }.