خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
٥٥
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
٥٦
هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ
٥٧
وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ
٥٨

خواطر محمد متولي الشعراوي

قال هنا أيضاً (هذا) أي: الكلام السابق عن جزاء المتقين في الجنة. وفي مقابله { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } [ص: 55] لشرّ مصير وأسوأ منقلب ومرجع، والمآب هنا أيضاً كالمآب السابق، مآب إلى مَنْ أخذ عليهم العهد الأول ومنحهم إيمانَ الفطرة، فكلُّ مولود يُولَد على الفطرة، لكن هؤلاء لم يُوفوا بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم، إنما خالفوا { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ .. } [الأعراف: 172].
وكما فَصَّلَ الحق سبحانه حُسْن المآب يُفصِّل هنا أيضاً شر المآب، فيقول { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا .. } [ص: 56] أي: يصطلون بنارها { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ص: 56] أي: ساء. والمهاد: هو فراش الطفل الذي يمهد له لينام فيه نَوْمةً مريحة، لكن ليس للطفل دَخْل في إعداده إنما يُعدُّه له وليُّه الذي يتولى أمره، كذلك هؤلاء الطاغون لا دَخْلَ لهم في المهد الذي سيُلقون فيه.
إذن: استخدام المهد هنا على سبيل الاستهزاء والسخرية منهم. { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } [ص: 57] أي: يذوقوا العذاب (حَمِيم) هو الشيء الحار الذي تناهتْ حرارته، و (غَسَّاق) هو صديد أهل النار الذي يسيل منهم في جهنم والعياذ بالله، تقول: غسقتْ عينه أي: سال دمعها.
لكن هل ينتهي العذاب بالحميم والغساق؟ لا، بل لهم ألوان أخرى من العذاب { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص: 58] آخر: يعني عذاب آخر غير هذا ينتظرهم { مِن شَكْلِهِ .. } [ص: 58] من مثله ومن جنسه ومن نوعه وتكوينه { أَزْوَاجٌ } [ص: 58] أنواع وأصناف مختلفة، وإلاَّ فأين المُهْل؟ وأين شجرة الزقوم التي طَلْعها كأنه رؤوس الشياطين، وغيرها من ألوان العذاب الذي أعدَّه الله لهؤلاء الطاغين؟
وبعد أن أعطانا الحق سبحانه هذه المقابلَة التوضيحية بين جزاء أهل الأخيار المتقين، ومصير الأشرار الطاغين، أراد سبحانه أنْ يُفرِّق بين صحبة الأخيار وصحبة الأشرار، فصحبة الأخيار تعينك على الطاعة وتعينك على الخير, وصحبة الأشرار تجرُّك إلى الشر وتدعوك إلى المعصية.
ففي المدارس مثلاً، كم من تلميذ تفوق لأنه مَاشَى زميلاً من أهل الخير أعانه على دروسه وحَثَّه على المذاكرة وخَوَّفه من سوء العاقبة آخر العام إنْ أهمل، وفي المقابل كم من تلميذ فشل لأنه صاحبَ الأشرار الذين أغروْه بالهروب من الحصص، وأخذوه إلى الشارع، وإلى السلوك غير المستقيم.
وفي النهاية، لا بُدَّ أنْ يحمد المتفوق زميله الذي أخذ بيده إلى الخير، ولا بدّ أنْ يذم الفاشل زميله الذي أغراه وأضلّه وضيَّع عليه الفرصة.
أراد الحق سبحانه أنْ يعطينا هذه الصورة، فقال سبحانه:
{ هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ... }.