خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
-الزمر

خواطر محمد متولي الشعراوي

يبين سبحانه عاقبة الكافرين، فيقول: { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16] كلمة ظلل جمع ظلة، وهي ما يُظِلُّ الإنسان، ويقيه حرارة الشمس، ففي الظل يلتمس الإنسانُ الراحة وطراوةَ الهواء، أما هؤلاء فعليهم ظُلَل لا ظلة واحدة من النار، والنار لا تكون أبداً ظلة.
إذن: هذا أسلوب تهكم بالكافرين، وليت هذه الظلل من جهة واحدة، إنما من فوقهم، ومن تحتهم، والإنسان عادة حينما يأتيه الشر من جهة ينأى إلى الجهة المقابلة، وفي موضع آخر قال سبحانه:
{ { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41].
إذن: فالنار محيطة بهم لا مهربَ منها، ولا مفرَّ { ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } [الزمر: 16] تأمل رحمة الله بعباده، حتى في مقام ذكر النار والعذاب، فالنار ليس المراد بها تعذيب الخَلْق، إنما تخويفهم وزَجْرهم حتى لا يقفوا هذا الموقف، ولا يتعرضوا لهذا العذاب، وأنت لا تصنع ذلك إلا مع مَنْ تحب، كما تُخوِّف ولدك من الرسوب، وتبين له عاقبة الإهمال، وما سيتعرض له من الذلة والإهانة والاحتقار، إنْ هو فشل في دراسته.
إذن: حظه تعالى من ذكر النار أنْ يُخوّف بها، حتى لا يقع الخَلْق في الأسباب المؤدية إليها، والعاقل ساعة تخوفه يخاف، وساعة تزجره ينزجر ويرتدع، ويُعد هذا التخويف نعمةً من أعظم نعم الله عليه.
وهذه المسألة واضحة في سورة الرحمن، فالذين يحاولون أنْ يستدركوا على كلام الله يقولون: من المناسب للمعنى أنْ تختم الآيات التي تذكر النعم بقوله تعالى:
{ { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 13].
كما في قوله سبحانه
{ { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 14-16] لكن، ما النعمة التي لا ينبغي أن نكذب بها في قوله: { { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [الرحمن: 35].
قالوا: هذا العذاب ليس هو الواقع إنما يذكره ليرهب به يعني: إنْ حدث منكما كذا وكذا يُرْسَل عليكما شُوَاظ من نار ونحاس فلا تنتصران، وكونه يرهب ويخوف بالعذاب قبل أنْ يأتي حينه فإنه يحدث عندي مانع ووقاية فلا أقترف أسباب هذا العذاب، بل أُلزم جانب الخوف من الله والتقوى.
لذلك قال بعدها: { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } [الزمر: 16] أي: اجعلوا تخويفي لكم رحمة بكم لا إرهاباً لكم، والإنسان حين يوازن بين المسائل ويقارن بين حال أهل الجنة وحال أهل النار لا بُدَّ أنْ يرعوى، وأنْ يرجع إلى الجادة، وعندها يكون أهلاً لرحمة الله ومغفرته. إذن: من نعم الله علينا أنْ يُخوِّفنا، وأنْ يُحذِّرنا الشر قبل وقوعه، وألاَّ يأخذنا على غِرَّة، أو يتركنا في غفلة.