خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ
١٨
-غافر

خواطر محمد متولي الشعراوي

قلنا: الإنذار هو الإخبار والتحذير من الشر قبل وقوعه و (الآزفة) من أزف الشيء يعني: دنا وقرب، والمراد بيوم الآزفة الموت لأنه يأتي بغتةً، لا يعلم أحد موعده، أو هو يوم القيامة، وهو أيضاً قريب لأن الله تعالى يقول فيه: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ .. } [النحل: 1] فجاء بالفعل الماضي (أتى) للدلالة على تحقّق وقرب وقوعه، لأن كل آتٍ قريب.
في هذا اليوم يوم الآزفة { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ .. } [غافر: 18] تخيل أن القلب انخلع من مكانه في الصدر، وخرج من حَيِّزه حتى وصل الحناجر حتى كتم الأنفاس من شدة الهول والبؤس والشقاء والضيق، كما قال سبحانه في موضع آخر:
{ { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [الأحزاب: 10].
ومعنى { كَاظِمِينَ .. } [غافر: 18] الكظم أنْ تحاول كتم الشيء في داخلك بحيث لا يخرج، ومنه كَظْم القرْبة إذا انخرقت حتى لا يتسرب منها الماء بأنْ تربط مكان الخُرْق وتُحكم رباطه، ومنه كَظْم الغيظ حتى تتحكم في غيظك وتكتمه في نفسك ولا تُنْفذه، كما قال تعالى:
{ { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ .. } [آل عمران: 134] فهذا ترقٍّ في مراتب العمل الصالح، أولها كظم الغيظ، وأحسن منه التخلص الغيظ بالعفو، وأحسن منه { { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 134].
وقوله: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18] هذا ساعة يجمع الله الظالمين معاً في جهنم والعياذ بالله، هؤلاء اجتمعوا في الدنيا على معصية الله، وساروا فيها على هواهم، والآن في الآخرة يفرّ بعضهم من بعض ويهرب المتبوع من تابعه، كما قال سبحانه:
{ { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34-37].
كذلك لا يجدون شفيعاً يشفع لهم ولا يدافع عنهم، وقد أوضح الحق سبحانه أن هؤلاء الشفعاء ورؤساء القوم وأئمة الكفر سيسبقون أتباعهم إلى جهنم، فإذا دخلوا وجدوهم قد سبقوهم إليها، فيكون ذلك أقطع لأملهم في النجاة وأشدّ لحسرتهم، لذلك قال تعالى عن فرعون:
{ { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [هود: 98].
ومعنى (الحميم) أي: الصديق الحميم، وهو الذي يخلص لك ويحميك حين يُراد بك الضر ويقف بجانبك وقت الشدة، الظالم في الآخرة لا يجد هذا الصديق ولا يجد مَنْ يشفع له، فأصدقاؤهم فرُّوا منهم لأنهم اجتمعوا في الدنيا على المعصية.
والله يقول:
{ { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67] أي: يوم القيامة حيث يتبرأ كل منهم من صاحبه ويلقي عليه باللائمة ويكرهه { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18] حتى إنْ قام للظالم شفيع يشفع له لا يطاع، لأن الشفاعة في الآخرة لها شروط: أنْ يأذن اللهُ للشافع أنْ يشفع، وأنْ يرضي الله عن المشفوع له، والله لا يأذن في الشفاعة لظالم ولا يرضى عنه.
لذلك لا تُقبل مثل هذه الشفاعة، ولا يُطاع صاحبها لأنه يطلب من الله الذي يملك العذاب أنْ يطيعه وأنْ يعفو عن المشفوع له، فكيف ينقلب الحق سبحانه مطيعاً لعبده؟