خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ
١٧
-الشورى

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ .. } [الشورى: 17] الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، والحق غالب لا محالة، وإنْ عَلاَ عليه الباطل في فترة من الفترات فإنما لحكمة، هي أنْ يعض الباطل الناس ليشحنهم بالحمية للحق ويُشوقهم إليه، فالعاقبة للحق مهما طال الباطل وصَالَ وجَالَ، لذلك قلنا: إن الباطل جندي من جنود الحق.
واقرأ هذه الصورة التي رسمها الحق سبحانه يوضح لنا بها الحق والباطل، يقول تعالى:
{ { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].
فالحق هو الباقي، والباطل زائل زاهق.
لذلك نرى بعض أعداء القرآن يحاولون أنْ يعيبوا أسلوبه، فيقولون مثلاً في قوله تعالى:
{ { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } [التوبة: 40] أنه أسلوب غير سليم، لأن القياس أن يقول: وكلمة الله العليا كما قال في الأولى: كلمة الذين كفروا السفلى، وهذا الاعتراض نتيجة عدم الفهم عن الله وعدم وجود المَلَكة التي تُمكِّنهم من فَهْم أساليب اللغة.
فكلمة الذين كفروا السفلى أي: جعلها الله سفلى فهي مفعول جعل، أما كلمة الله هي العليا فليست جَعْلاً كالأولى، بل هي في أصلها عليا، يعني: لم تكُنْ سفلى وجعلها الله عليا، بدليل أنها جاءتْ بالرفع على أنها خبر.
وقوله: (والميزان) أتى بشيء حسِّي وهو الميزان، والميزان هو أداة إقامة الحق، فالمسألة ليستْ هكذا (بالزوفة) إنما هناك ميزان حساس قائم على العدل والمساواة.
والميزان يختلف باختلاف الموزون، فميزان القمح أو البطاطا مثلاً غير ميزان الذهب، تجد الآن عند الصائغ ميزاناً حساساً يضعه في صندوق من زجاج، لماذا؟ ليحجز عنه الهواء لأن الهواء قد يتلاعب بالميزان، فيُخرجه عن الدقة المطلوبة في الوزن، وأقل ميل في ميزان الذهب له ثمن بخلاف ميزان البطاطا مثلاً.
إذن: كلمة الميزان تعني الضوابط التي تضبط ما بين الحق والباطل نقرأ في سورة الحديد
{ { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ .. } [الحديد: 25] يعني: بالعدل والحق، إذن: جاء الميزان ليعطي كل ذي حق حقه، ويضبط الحقوق لأصحابها، فلا يأخذ أحدٌ أكثر من حقه، ولا يغتصب أحدٌ حقَّ الآخر، ولا يطمع فيما ليس له.
وقوله سبحانه: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17] لأنهم سبق أنْ طلبوا من الرسول أن يأتي بها، كما حكى القرآن عنهم:
{ { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الأنبياء: 38] طلبوها على وجه الاستهزاء والسخرية والتكذيب بها. والفعل دَرَى يدري أتى مرة بصيغة المضارع هنا { وَمَا يُدْرِيكَ .. } [الشورى: 17] وأتى بصيغة الماضي في قوله تعالى: { { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [الحاقة: 1-3].
معنى
{ { وَمَآ أَدْرَاكَ } [الحاقة: 3] في الماضي يعني شيء قديم لم تعرفه من زمان، لكن تعرفه الآن. أما { وَمَا يُدْرِيكَ .. } [الشورى: 17] يعني: لا أحدَ يخبرك بها إلا نحن { { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ .. } [الأعراف: 187]، أما صيغة المستقبل فلم تأتِ أبداً.