خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٣١
-الشورى

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه وتعالى يخاطب القوم الذين عاندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصادموا دعوته وجادلوه، يقول لهم: لن تُفلتوا من عدالة السماء، ومَنْ أفلت من عقاب الدنيا منكم لن يفلت من عقاب الآخرة، كما قال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: { { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77].
وهنا يقول لهم { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ .. } [الشورى: 31] المُعْجز هو الذي ينسبني للعجز، ويُعجزني يعني: يأتي بأمر لا أقدر أنا عليه، فالحق يقول لهم: لن تعجزونا ولن تهربوا منا أبداً، فأينما كُنتم سنأتي بكم.
لذلك اتضح لنا ذكاء الجن، حينما قالوا:
{ { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } [الجن: 12] فالجن وهم أقدر على الهرب من الإنس، ومع ذلك يعترفون أنه لن يستطيع أحد منهم أنْ يهرب أو يفر من الله عز وجل.
لذلك
"مدح سيدنا رسول الله المؤمنين من الجن لما قرأ سورة الرحمن على بعض صحابته، ثم قال لهم: لقد قرأتُ هذه السورة على الجن، فكانوا أحسن استجابةً منكم، كانوا كلما سمعوا { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قالوا: ولا بشيء من نعمائك ربنا نُكذِّب فلك الحمد" .
ثم إن الحق سبحانه يُملي للظالم ويُمهله، حتى إذا أخذه لم يُفلته، فكوْن الحق سبحانه يُملي لهؤلاء لا يعني أنه عاجز عن أَخذهم، لأنه سبحانه قوي قادر وله طلاقة القدرة، بحيث يأتي بهم متى شاء، أما الضعيف فإنه يستغل أول فرصة للانتقام ولا يُفوِّتها، لأنه يعرف أنها لن تعود، كما قال الشاعر:

وَضَعِيفَة فإذا أصَابَتْ فُرْصةً قَتلَتْ كذلك قدرة الضُّعَفاءِ

وقوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [الشورى: 31] الولي: القريب أو الصديق المقرَّب منك دائماً، والمفروض فيه أن يدفع عنك المصيبة قبل أن تقع، والنصير: المعين الذي ينصرك ويُعينك إذا وقعتْ بك المصيبة. فالحق سبحانه يُعلمنا أنْ يستقيم فينا أمر التكليف، وأنْ تكون صلتنا بالله مباشرة، وألاَّ نعتقد أننا نَفوت منه سبحانه، وألاَّ نعتقد في أحد من خَلْقه أن يكون ولياً لنا أو نصيراً.