خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
-الشورى

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله تعالى: { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ .. } [الشورى: 5] أي: تقترب وتوشك { يَتَفَطَّرْنَ } [الشورى: 5] يتشققن إما هيبة لله ومن عظمته سبحانه، كما ورد في الحديث الشريف: "أطتْ السماء وحُقَّ لها أن تئط" وإما تشققت غضباً من الذين قالوا اتخذ الله ولداً.
{ مِن فَوْقِهِنَّ .. } [الشورى: 5] يجوز من فوق ملائكة الملأ الأعلى، حيث هيبة الملائكة من الله، وتعظيمهم له سبحانه، أو من فوق الأرض حيث البشر أصحاب الذنوب والذين قالوا اتخذ الله ولداً، لأن الحق سبحانه ردَّ عليهم:
{ { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [مريم: 89] أي: عجيباً وغريباً لا يقبله العقل { { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } [مريم: 90].
فالولد إنما يُطلب إنا للمعونة في وقت الضعف والشيخوخة، وإما لبقاء الذكْر، وهذه أمور لا تجوز، ولا تنبغي للحق سبحانه لأنه غَنِي عنها، لذلك قال تعالى:
{ { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم: 92] أي: أن الحق سبحانه لو أراد أن يتخذ ولداً لفعل، حيث لا يمنعه من ذلك مانع، إنما جلال الله وعظمته وقيوميته تعالى لا ينبغي لها ذلك، لا يجوز ولا يصح أنْ يكون له ولد، ونَفْي الانبغاء يدل على الكمال.
ومثال ذلك قوله تعالى في شأن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
{ { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } [يس: 69] عندما اتهمه الكفار بأنه شاعر، والمعنى: أنه لا يقول الشعر ليس لأنه عاجز عن قوله، بل عنده أدوات الشعر ويستطيعه، لكنه لا ينبغي أنْ يقوله ولا يصح، لأن الله يُعده لأمر أعظم من شعركم.
فقوله سبحانه
{ { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم: 92] تأكيد أنه تعالى لو أراد له ولداً لفعل، لكن هذا أمر لا ينبغي في حقه تعالى لأنه مُنزَّه عنه، لذلك قال في موضع آخر: { { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [الزخرف: 81] يعني: على فرض أنِ اتخذ ولداً فسأكون أول المؤمنين به.
وقوله: { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } [الشورى: 5] الملائكة من الغيبيات، والسماء والأرض من الحسيات، فالحسيات غاضبة تكاد تتشقق من هذا القول، أما الملائكة فيسبحون بحمد ربهم ويُنزِّهونه عن اتخاذ الولد، وجاء التسبيح قبل التحميد، التسبيح يعني نفي المماثلة لأيِّ كائن مَنْ كان، أما التحميد فيجب لله تعالى على نعمه ومنحه، فالتسبيح أوْلَى من التحميد ومُقدَّم عليه.
وقوله تعالى: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 5] فهم لا يستغفرون لأنفسهم، بل يستغفرون لمن في الأرض، وهذا يعني أنهم بلا ذنوب، ولو كان لهم ذنوب لاستغفروا لأنفسهم من باب أوْلَى. والاستغفار هنا عام لكل مَنْ في الأرض بما فيهم الكفار.
وفي موضع آخر قال:
{ { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [غافر: 7] أما هنا فقال: { لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 5] فشمل الجميع، والاستغفار لغير المؤمنين طلب المغفرة لهم وطلب الهداية، وأنْ يلهمهم الله الإيمان به.
أما الحديث الشريف الذي ورد فيه:
"ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادي مَنَاد من قِبَل الله تعالى يقول: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً" .
قالوا: الدعاء بالتلف للممسك هنا لا يتعارض مع استغفار الملائكة لمن في الأرض، لأن المنفق يستغني عن ماله وينفقه في سبيل الله، فحبه لله تعالى أعظم من حبه للمال، أما الممسك فيحب ماله ويبخل به، وحين يدعو عليك الملَك بالتلف فإنما ليُخلصه من مال صرفه عن الله، فتلَفُ هذا المال نعمة أو مصيبة يُثَاب عليها.
إذن: هو دعاء بالخير في كلتا الحالتين.
{ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيم } [الشورى: 5] قلنا: إن ألا أداة استفتاح وتنبيه، لأن المتكلم حُرٌّ يتكلم متى شاء، أما السامع فليس حراً في السماع، وقد يغفل عن سماع بعض الكلام، لذلك ينبغي للمتكلم أنْ ينبه السامع وأن يُخرجه من غفلته، لا سيما إنْ كان الكلام مهماً يحرص على أنْ يسمعه السامع دون أنْ يفوته منه شيء، لذلك يقول (ألا) في البداية يعني: انتبه واسمع مني.
ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي:

أَلاَ هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبحينَا وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدرِينَا

وتذييل الآية: { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيم } [الشورى: 5] يناسب مسألة استغفار الملائكة لمن في الأرض ويقول لك: انتبه فالذي تستغفره غفور ورحيم، غفور يغفر الذنب ويمحو آثاره ورحيم: يعني يرحمك بعده من الوقوع في ذنب آخر.