خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ
٩
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه يريد أنْ يُبيِّن لهم أنهم يُكذِّبون رسول الله، ويُصادمون دعوته استكباراً وعناداً، ولا يعتمدون في ذلك على منطق العقل والحكمة، ويأخذ هذه الحقيقة ويُثبتها من لسانهم هم: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9].
وفي موضع آخر:
{ { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ .. } [الزخرف: 87] فهذه حقيقة لا ينكرونها ويعترفون بها، لأن مسألة الخَلْق هذه لم يدَّعِها أحدٌ لنفسه ولم يقُمْ لها منازع.
أولاً عجيبٌ منهم أنْ يؤمنوا بأن الله هو الخالق، وأنه عزيز وعليم، ومع ذلك يقفون من رسول الله هذا الموقف المعاند، ثم لماذا لم يقولوا مثلاً خلقهنَّ الله لأنه ليس له منازع، ووصفوا الحق سبحانه بالعزيز العليم؟ قالوا: لأنهم اتبعوا مناهج آبائهم وظنوا أنها الأحسن، فقالوا:
{ { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ .. } [البقرة: 170] فصدَّهم هذا عن اتباع الحق.
ومعنى { ٱلْعَزِيزُ } [الزخرف: 9] أي: الغالب الذي لا يُغلب، فهم إذن ردُّوا على أنفسهم، فهم مهما عملوا فلابدَّ أنْ يُغلبوا.
وقولهم في وَصْف الحق سبحانه: { ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9] من باب أن المتكلم يمكن أنْ يزيد من عنده ما لم يُلْقَ إليه، كما لو أنك أرسلتَ شخصاً برسالة وقلتَ له: اذهب إلى فلان. هكذا بدون ألقاب وبدون أوصاف - وقُلْ له كذا وكذا.
فحين يذهب الرسول يقول: والله فلان قال لي اذهب إلى الشيخ فلان، أو الأستاذ فلان، وقُلْ له كذا وكذا فيزيد الوصف من عند نفسه، كذلك هؤلاء يقولون { خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9] لأنهم يعلمون أن الله تعالى عزيز وعليم.
ثم أراد سبحانه أنْ يُبيِّن لهم قدرته وعلمه، فقال: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً .. } [الزخرف: 10] والمهد في الأصل هو الفراش الممهَّد الذي يستريح فيه الطفل جُلُوساً أو نوماً، ومنه نقول طريق مُمهَّد يعني: مُعد ومُسوَّى بحيث يريح مَنْ يمشي عليه.
فالحق يُشبِّهنا بالأطفال، والطفل لا يستطيع أنْ يُمهِّد لنفسه، فلولا أن الله مهَّد لنا الأرض ما قدرنا نحن على تمهيدها.
{ وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً .. } [الزخرف: 10] يعني: طرقاً تسلكونها وتنتقلون عليها من مكان لآخر، لأن مصالح الخَلْق تقتضي الانتقال من مكان إقامتهم إلى أماكن مصالحهم { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الزخرف: 10] أي: في سيركم إلى مصالحكم وأغراضكم.
الحق سبحانه حين يمتنُّ عليهم ببعض نِعَمه عليهم إنما ليُرقِّق قلوبهم ويستميلهم إلى ساحته، لعلهم يهتدون إليه ويؤمنون به ويُصدِّقون برسوله.