خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ
٨١
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا أمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قُلْ) يا محمد لمنْ يدَّعي أن للرحمن ولداً { قُلْ } [الزخرف: 81] أي على سبيل الفرض { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [الزخرف: 81] وعلى اعتبار (إنْ) شرطية فالمعنى إنْ كان للرحمن ولد وهو سبحانه الذي يخبرني بهذه الحقيقة فأنا أولُ العابدين له، لأنني آخذ ثقافتي وآخذ أوامري من ربي لا منكم.
وبعضهم قال (إنْ) هنا نافية، مثل قوله تعالى:
{ { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } [المجادلة: 2] فالمعنى: قُلْ ما كان للرحمن ولد فأنا أول مَنْ ينفي ذلك لأنني أول العابدين، وأول المؤمنين بوحدانية الله تعالى.
الحق تعالى وصف نفسه سبحانه بوصفين، البعض يظن أنهما بمعنى واحد، لكن طالما هما لفظان مختلفان فلا بدَّ أن لكل منهما معنىً خاصاً لا يؤديه الوصفُ الآخر, الحق وصف نفسه بأنه واحد أحد.
قلنا: واحد يعني فرد لا ثانيَ له فهي تنفي التعددية، أما أحد أي واحد في ذاته ليس له أجزاء، لأن الشيء المكوَّن من أجزاء يكون كل جزء فيه محتاجاً إلى الأجزاء الأخرى.
وطالما أنه تعالى أحد في ذاته إذن ليس له ولد لأن الولد جزء من أبيه، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم:
"فاطمة بضعة مني" يعني: جزء مني.
وإذا أخذنا بهذا المبدأ وسَلْسَلْنا نسب كلٍّ منا لا بدَّ أنْ نصلَ إلى أبينا آدم عليه السلام، وعرفنا أن كلاّ منَّا فيه بضعة أو ذرة من أبيه آدم، هذه الذرة هي التي شهدت العهد الأول الذي أخذه الله تعالى على بني آدم وهم في مرحلة الذَّرِّ:
{ { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [الأعراف: 172-173].
وهذه الذرّة هي بذرة الخير وموضع الإيمان في الإنسان، ومنها تنطلق حركةُ الخير، ألا تراه يندم على الذنب ويعزم على التوبة؟ إنه عملُ هذه الذرة وأثرها في النفس الإنسانية لأنها أول مَنْ سمع نداء الله وبلاغٌ عن الله.
والقرآن الكريم أفاد أن الجنَّ أوعى من الإنس في هذه المسألة، فإذا كان الإنسانُ قد تجرأ على الحق سبحانه وتعالى ونسب له الولدَ؛ فالجنُّ نفتْ ذلك ونزَّهتْ الله عن الولد وعن الصاحبة، واقرأ قوله تعالى:
{ { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [الجن: 3].
يعني من عظمته تعالى أنه لم يتخذ لا صاحبة - يعني زوجة - ولا ولداً، والمتأمل يجد أن الصاحبة والولد من أسباب الفساد في الكون، يقول تعالى:
{ { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14].
ونحن نقول مثلاً في أعراف البشر: تزوج مبكراً لتجنبَ ولداً يعولك في شيخوختك، وهل الحق سبحانه يتخذ الولد لأنه في حاجة إليه كما نحتاجه نحن؟ ثم الذين قالوا إن عيسى ابنُ الله ما قولهم في الزمن قبل عيسى ألم يكُنْ لله فيه ولد؟ وما بعد عيسى أين الولد الذي اتخذه الله؟ إذن: هذا كله افتراءٌ على الله.