خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٨٤
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

البعض يظن أن الله تعالى في السماء، فإذا دعاه بصوت عَالٍ ليسمعه. والله سبحانه في كل مكان وفي كل زمان، ليس له مكان يَسَعه ولا زمانٌ يحتويه، لأنه سبحانه خالق الزمان وخالق المكان، والمخلوق لا يسع الخالق.
لذلك لا نستعمل أين ولا متى مع الله { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] إذن: فهو في كل مكان، وهذه الصفة (إله) ذاتية فيه سبحانه، وهي صفة كمال لا تفارقه ولا تنفكّ عنه، لا في السماء ولا في الأرض.
وكان للمستشرقين وقفة عند هذه الآية بسبب تكرار النكرة { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] فكلمة (إله) نكرة كُرِّرَت، والقاعدة اللغوية أن النكرة إذا كررتْ كانت الثانية غير الأولى كما لو قلتَ: لقيتُ رجلاً، وأكرمتُ رجلاً، فرجل الثانية غير الأولى.
أما المعرفة إذا كُررتْ كانت الثانية هي عَيْن الأولى لو قُلت: لقيتُ الرجل فأكرمتُ الرجل، إذن: هو هو. وهذه القاعدة وضعتْنا في إشكال مع هذه الآية، ومَنْ يقول بإله في السماء وإله آخر في الأرض؟!
وفي حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُؤكِّد هذه القاعدة، لأنه حين قرأ:
{ { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5-6] قال: "ولن يغلب عُسْرٌ يُسْريْنِ" فالعُسْر جاءت معرفة، واليُسْر جاءتْ نكرة.
وهذه الآية لها معنا قصة مع الناس الدراويش في المسجد الأحمدي بطنطا، ففي يوم من الأيام جاءنا الشيخ محمود شلتوت وكان شيخاً للأزهر ليزور مدينة طنطا، وجاء المسجد الأحمدي ليصلي، وبعد الصلاة سأله الشيخ أبو العينين وكان أستاذاً للتفسير وقال له: الحمد لله يا مولانا أنني وجدتك هنا لأنني في درس التفسير أمس وقفتُ أمام الآية: { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] والقاعدة أن النكرة إذا كُرِّرتْ كانت الثانية غير الأولى؟
وبمجرد أنْ بدأ الشيخ شلتوت في الجواب وقال: والله العلماء قالوا إن القاعدة أغلبية، وعندها دخل رجل لا نعرفه قبل ذلك ولا عرفناه بعدها، وكان عاريَ الرأس وفي يده عصا، وقال: يا علماء أنتم نسيتم اسم الموصول { وَهُوَ ٱلَّذِي } [الزخرف: 84] اسم الموصول معرفة وما بعده صلته، إذن: الكلمة المكررة صلةٌ لموصول واحد، يعني هو هو، ثم انصرف الرجلُ وجلسنا نحن لم يتكلم منا أحدٌ لمدة نصف ساعة.
وقوله: { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 84] الحكيم: الذي يضع الشيء في موضعه بحكمة، والعليم بما يصلح خَلقه وبما يُعينهم على معايشهم وعلى مَعادهم، فما كان سبحانه ليُعطيهم مُقوِّمات المادة بالطعام والشراب والهواء ثم يتركهم دون منهج ودون قيم تُغذِّي أرواحهم كما غذَّى أبدانهم.
لذلك سمَّى هذا المنهج روحاً، فهو للقلب مثل الروح للأبدان، والفرق بين الروحين أن الروح التي في البدن لها موعد تفارق فيه البدنَ بالموت، أما روح القيم والمنهج فهي باقية خالدة تلازمه في الدنيا، وتصاحبه إلى الآخرة.