خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ
١٧
أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٨
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

كأنه يقول لهم: لسْتم بدعاً في ذلك، فقد سبقكم أمم كذَّبوا الرسول فنزل بهم مثلُ ما نزل بكم، كلمة { فَتَنَّا } [الدخان: 17] يعني: ابتلينا واختبرنا، والفتنة لا تُذمُّ لذاتها، وإنما تُذم لنتيجتها مثل الامتحان لا يُمدح ولا يُذم لذاته، إنما حسْب ما يترتب وما ينتج عنه.
وتعرفون قصة قوم فرعون { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } [الدخان: 17] هو سيدنا موسى عليه السلام، فهو كريم على الله الذي أرسله، ومن كرامته جعله كليماً يُكلِّمه من وراء حجاب، ذلك لأنه سيتعرَّض لا لفساد خُلُقي ولا لفساد اجتماعي، إنما لفساد عَقَديّ.
وكأنَّ الله تعالى يُعد للقائه مع رأس الكفر، وهو فرعون الذي وصل به الضلال إلى أنْ يدَّعي الألوهية، ويقول للناس: أنا ربكم الأعلى.
ومن هنا كانت مهمة موسى عليه السلام مهمة صعبة وشاقة، لذلك درَّبه ربه عز وجل على استخدام الآيات والمعجزات قبل أنْ يُظهرها أمام فرعون.
اقرأ:
{ { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [طه: 17-20].
فالحق سبحانه عرَّف موسى مهمة العصا في المعركة العقدية التي سيخوضها مع فرعون ودربه على التعامل معها، حتى إذا واجه فرعون واجهه بثقة وثبات واطمئنان إلى نصر الله وتأييده له، لذلك قلنا: إن المستشرقين تصيَّدوا هذه القصة، واتهموا القرآن بالتكرار.
وهذا يدل على عدم فهمهم للآيات في سياقها، فقصة العصا فعلاً وردتْ ثلاث مرات، مرة بين موسى وربه عز وجل كتدريب ومران على هذه المسألة، والمرة الثانية كانت أمام فرعون، والمرَّة الثالثة كانت أمام سحرة فرعون.
إذن: كان لكلِّ مرحلة حكمة، والمسألة ليستْ فيها تكرار، إنما هي مواقف مختلفة، كلٌّ في موعدها.
وقوله سبحانه: { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [الدخان: 18] ساعة تسمع { أَدُّوۤاْ إِلَيَّ } [الدخان: 18] تعرف أن هناك أمانة يجب تأديتها، فما الأمانة التي يطلب موسى من قومه أنْ يؤدوها إليه؟
قالوا: الحق الذي طالب به موسى قوم فرعون هو أنْ يأخذ بني إسرائيل، وأنْ يخرجهم من العذاب المهين الذي يُلاقونه من قوم فرعون وهذه هي مهمة موسى الأولى، أما دعوته لفرعون فكانت على هامش المهمة الأساسية، وكلامه مع فرعون زائد على مهمته وعن التشريع الذي أتى به بني إسرائيل.
وسبب اضطهاد قوم فرعون لبني إسرائيل أن الهكسوس لما دخلوا مصر عاثوا فيها فساداً، وكان بنو إسرائيل يعاونون الهكسوس ويساعدونهم، فلما خرج الهكسوس من مصر لم يَعُدْ لهم عدو إلا بني إسرائيل لذلك اضطهدوهم.
وكما حكى القرآن:
{ { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } [البقرة: 49] فجاء سيدنا موسى أصلاً لإنقاذ بني إسرائيل من العذاب وليُخرجهم من مصر.
فالحق سبحانه وتعالى لطف ببني إسرائيل لأنهم كانوا هم المؤمنين في هذا الوقت وكان الآخرون وثنيين.
إذن معنى: { أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [الدخان: 18] يعني: اعطوني بني إسرائيل الذين تُعذِّبونهم واتركُوني وشأني.
ومن إعجاز القرآن أنه لما تكلَّم عن حاكم مصر سمَّاه فرعون، إلا في فترة سيدنا يوسف عليه السلام سماه الملك:
{ { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } [يوسف: 43].
وقد ثبت أن الهكسوس أثناء وجودهم في مصر غيَّروا اسم الفرعون وقالوا (الملك) وكان وجودهم في مصر أيام سيدنا يوسف عليه السلام.
وقوله: { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } [الدخان: 18] يعني: مؤتمن على رسالتي من الله أؤديها كما يجب أن يكون الأداء.