خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

سورة الدخان من سور الحواميم. أي: التي تبدأ بالحروف المقطَّعة (حَم) وقد تحدَّثنا في هذه الحروف بما يُغني عن الإعادة هنا، وهذه الحروف تقف العقول عند حدِّ النطق بها كما هي، وكما نطق بها رسول الله، ولا نسأل أنفسنا عن معانيها، ولا حَجْرَ على العقول أنْ تحوم حولها محاولة استنباطَ بعض المعاني، ولو لنقنعَ أنفسنا بشيء من الصواب حول معانيها ثم نقول والله أعلم بمراده منها.
ذلك لأن الدين منه أمور تتصل بالعقيدة، وأمور تتصل بالأحكام، وأمور تتصل بالقرآن المعبِّر عن العقيدة والأحكام.
وفي كل واحدة من هذه الثلاثة غَيْبٌ ومَشْهَد، الغيب ويُوكل العلم به إلى الله تعالى حتى يظلَّ الإنسانُ عاجزاً أمام علم الله وأمام مسائل لا يفهمها، ولكن يؤمن بها لمجرد أن الله أخبر بها في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى.
ففي العقائد مثلاً مسألة الإيمان بإله واحد، هذا غيْب لكن يمكن للعقل أنْ يُدلِّلَ عليها لأنه لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا، ولو كانت آلهةً متعددةً يختصُّ كلّ واحد منها بشيء من الخَلْق لَكانَ كل واحد منها محتاجاً إلى الآخرين ولا يصلح لأن يكون إلهاً.
إذن: يمكن بالعقل أنْ نثبتَ أن الله إله واحد. لكن هناك في العقائد أمور غيبية لا يمكن للعقل التدخّل فيها، ويقف فيها عند ما سمعه مثل أمور: القبر والبرزخ والحساب والآخرة.
وكذلك في الأحكام غَيْب ومشهد، فالصلاة في ظاهرها المشَاهد أنها تُحدث استطراقاً عبودياً في الكون، فساعة نسمع الله أكبر نذهب إلى المساجد، ونُقيم أنفسنا بين يدي ربنا رُكعاً وسُجَّداً يستوي في ذلك الرئيس والمرؤوس، الغني والفقير، القوي والضعيف، الكل ضارع لله.
هذا جانب مُشاهد في الصلاة، وفيها أيضاً غَيْب لا دخْلَ للعقل فيه، فالصلاة من حيث عدد ركعاتها غيْب لا نعرف له تفسيراً، لماذا كان الصبح ركعتين، والظهر أربعاً، والمغرب ثلاثاً؟ لذلك فالسؤال الذي يدور حول عدد الركعات سؤال باطل.
كذلك الحال في القرآن، فيه غَيْبُ لا مجالَ للعقل فيه، وهو هذه الحروف المقطَّعة التي نَكِلُ العلم فيها إلى قائلها سبحانه وتعالى.
وقوله سبحانه: { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الدخان: 2] أي: الظاهر الواضح المحيط بكل شيء، وهذا يُمثِّل المشهد أي الذي نعرفه ويتدخَّل فيه العقل. إذن: جمع الحق سبحانه في صدر هذه السورة بين الغيب في (حم) والمشهد في { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الدخان: 2] كلاهما من الله؛ فلا قسم على هذا.
أو أن الأسلوبَ هنا أسلوبُ قسم، أقسم بحم، وأقسم بالكتاب المبين الظاهر الذي تفهمه العقول، وهما الاثنان من الله. والمقسم عليه:
{ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا ... }.