خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ
٤٣
طَعَامُ ٱلأَثِيمِ
٤٤
كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ
٤٥
كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ
٤٦
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

الحق سبحانه وتعالى هنا يعطينا صورةً لطعام أهل النار والعياذ بالله، وفي موضع آخر يعطينا صورة لشرابهم، لأن الطعام والشراب هنا قِوَام الحياة، فطعامهم الزقوم، وهو شجرة صغيرة مُنتنة الرائحة، وطعمها مُرٌّ.
أما شكلها، فقال عنه سبحانه في آية أخرى
{ { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [الصافات: 65] وهو تشبيه يؤدِّي المراد منه بدقة، فالمراد إظهار بشاعتها وقُبح منظرها.
لذلك وجدنا بعض المستشرقين يعترضون على هذا التشبيه يقولون: كيف يُشبِّه مجهولاً بمجهول لأن أحداً لم ير رؤوس الشياطين، والأصل في التشبيه أنْ تُشبه مجهولاً بمعلوم ليتم الإيضاح.
يقولون هذا لأنهم لا يعرفون شيئاً عن إعجاز القرآن وطريقة أدائه للمعنى، فلو أننا أجرينا مسابقة بين رسامي الكاريكاتير في العالم وقلنا لهم: ارسموا لنا صورة الشيطان، فكلُّ واحد سيرسمها من تخيُّله للقُبْح في نظره هو.
وهكذا سيكون عندنا صور متعددة، كلها قبيح مع أنها مختلفة، لأن القُبْح له ألوان مختلفة، والشيء البشع عند البعض قد لا يكون كذلك عند آخرين، مثل مقاييس الجمال نجدها نسبية بين الناس، فمثلاً البعض يرى الجمال في الشفاه الرقيقة، وآخر يراه في الشِّفاه الغليظة.
وهكذا تختلف مقاييس القُبْح في الذِّهْن الإنساني، والصورة التي تُفزع شخصاً قد لا تفزع الآخر، فأراد الحق سبحانه بهذه الصورة أنْ يشيع قبحها وبشاعتها، وأنْ يُقبِّحها قُبْحاً عاماً يستوعب كل نواحي القبح والبشاعة عند مختلف الناس.
إذن: الإبهام هنا أفضل، لأنه يجعلك تذهب في تصوُّر القبح كلَّ مذهب، لذلك نستطيع أن نقول: إن الإبهام هنا هو غاية الإيضاح وعَيْن البيان.
إذن: هي شجرة كريهة في شكلها وفي طعمها وفي رائحتها، ثم يزيد على ذلك فيُشبِّه طعمها بأنه { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } [الدخان: 45] المُهْل هو: المعدن المذاب الذي بلغ الغايةَ في الحرارة، أو هو الزيت المغلي.
فمثلاً نرى صانع (الطعمية) يغلي الزيت لفترات طويلة، حتى يتحوَّل إلى مواد سامة سوداء اللون يُسمُّونها الدُّرْدى، هذا الذي يسمونه المهل إذا كان من أصول ليِّنة، وقد يكون من أصول صلبة كالمعادن مثل: الذهب والحديد والنحاس.
ومعنى { يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } [الدخان: 45] أن درجة حرارته - والعياذ بالله - لا تنخفض بشُرْبه، فنحن مثلاً حين نشرب الشاي ساخناً نشعر بلسْعة الحرارة في الفم أثناء تناوله، لكن حين ينزل إلى المعدة تنخفض هذه الدرجة.
أما الزَّقوم والعياذ بالله فيظلُّ يغلي حتى في بطونهم { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } [الدخان: 46].
مثل غليان الماء الذي بلغ أقصى درجة، وتناهتْ حرارته.