خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً
١٢
-الفتح

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا إخبار من الله تعالى بغيب يخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم ويعلمه بما سيقوله هؤلاء، والمخلّفون جمع مُخلّف وهم الذين طلب منهم الخروج مع رسول الله لأداء العمرة فلم يخرجوا وتعللوا بعدها بهذه الحجج التي كشف القرآنُ زيفها وكشف نواياهم وما كان يدور في نفوسهم.
والأعراب هم البدو وسكان البادية، وقولهم: { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا .. } [الفتح: 11] يعني: عن الخروج معك.
وقولهم: { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا .. } [الفتح: 11] دلَّ على أنهم أذنبوا وأخطأوا، وإلا ما طلبوا من رسول الله أن يستغفر لهم.
والواقع أنهم كاذبون في هذا، فما شغلتهم الأموال ولا الأولاد إنما خافوا على أنفسهم الخروج، لأنهم ظنوا في أنفسهم أن رسول الله لن يرجع من هذه العمرة ولن يعود إلى أهله، لأن قريشاً تتربص به ومعهم جماعات من الأحابيش ومن ثقيف وكنانة وغيرها.
فقالوا في أنفسهم ما أخبر الله به { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً .. } [الفتح: 12] لذلك بُهت من قال هذا الكلام لما سمع الله يخبر به ويكشف مكنونات صدورهم.
والعجيب أن هذا الإخبار { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ .. } [الفتح: 11] نزل في قرآن يُتلى علانية ويسمعه هؤلاء المخلفون، وكان بأيديهم ألاَّ يتعللوا بهذه الحجج لكن صدق الله وقالوا بالفعل ما أخبر القرآن به.
هذه كما حدث تماماً في قوله تعالى في مسألة تحويل القبلة
{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا .. } [البقرة: 142].
سمع اليهود هذا الكلام وسمعوا هذا الوصف، ومع ذلك قالوا ما أخبر الله به وصدقوا على أنهم سفهاء، فهذه وأمثالها من علامات صدق القرآن الكريم، فالذي يتكلم به هو الذي يعلم ما سيحدث في المستقبل ويخبر به قبل أنْ يقع ثم يأتي الواقع موافقاً لما قال.
قالوا: كان هؤلاء المخلَّفون من سبع قبائل أظن، منها أشجع ومزينة وهوازن وبخع وأسلم وغيرها. هؤلاء قالوا: إن محمداً ألقى بنفسه في التهلكة، ولن يعود من هذه العمرة لما يعلمون من القوة التي تواجهه فتخلَّفوا، في حين أنهم كانوا يتمنون الخروج إلى خيبر، حيث الغنانيم والأموال التي لا حَصْرَ لها هناك.
وقوله تعالى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ .. } [الفتح: 11] أي في قولهم: { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا .. } [الفتح: 11] فهذه الكلمة باللسان فقط، فهم لا تهمهم المغفرة ولا يفكرون فيها.
ثم يُبيِّن لهم الحق سبحانه حقيقة الأمر: { قُلْ .. } [الفتح: 11] يعني: قُلْ لهم يا محمد { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً .. } [الفتح: 11].
هذا استفهام للتعجب أو للتوبيخ يقول لهم: مَنْ يردُّ عنكم قضاء الله ومَنْ يدفع عنكم الضر إنْ أصابكم في أموالكم أو في أهليكم، من؟ لا أحد.
كذلك لا أحد يمنع عنكم النفع إنْ أراده الله لكم، إذن: هذه حجة باطلة لا تُجدي، وكذب لا فائدة منه { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [الفتح: 11] يعني: لا يَخْفى عليه من أموركم شيء.
ثم يُؤدبهم بأنْ يكشف عن الكلام الذي أسرُّوه بعضهم إلى بعض فيقول: { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ .. } [الفتح: 12] أي: يرجع { ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً .. } [الفتح: 12] ويُؤكدون ظنهم لاقتناعهم به { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ .. } [الفتح: 12] أي: زيّنه بعضكم لبعض، أو لقي استحساناً منكم.
{ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ .. } [الفتح: 12] أي: الظن الفاسد والمراد به أن رسول الله لن يعود إلى أهله ولا المؤمنون معه، وهذا يعني النهاية لمسيرة الدعوة.
{ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً .. } [الفتح: 12] يعني: مثل الأرض البور التي لا خَيْرَ فيها، فأنتم مثل هذه الأرض أهل فساد لا خيرَ فيكم.