خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٦
-الفتح

خواطر محمد متولي الشعراوي

تأمل هنا المقابلة التي تظهر الفرق وتضعك أمام مقارنة بين ما أعدَّه الله للمؤمنين من الجزاء وما أعده للمنافقين والكافرين، والجمع بين المتقابلات أسلوبٌ من أساليب القرآن لكي تبدو المفارقة، لذلك الشاعر العربي قال في وصف محبوبته:

الوَجْه مِثل الصُّبْح مُبْيضّ وَالشَّعْر مثْلُ الليْلِ مُسْودّ
ضِدَّانِ لَمََّا اسْتجْمَعَا حَسُنَا وَالضِّدّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ

ونلاحظ هنا أنه ذكر المنافقين والمنافقات قبل المشركين والمشركات في مقاساة العذاب، نعم لأن المنافق أشد جُرْماً من المشرك، المنافق ستر كفراً وأظهر إيماناً فتسلَّل إلى صفوف المؤمنين وانطوى تحت لوائهم، وهو في حقيقته مشرك معاند يكيد للمؤمنين تحت ستار.
أما المشرك فظاهره مثل باطنه وعداوته معروفة، ومن اليسير أنْ تأخذ حذرك منه؛ لذلك قال تعالى عن المنافقين:
{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [النساء: 145] يعني: هم تحت المشركين وأدْنى منهم.
وقوله تعالى: { ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ .. } [الفتح: 6] الظن: الحكم بشيء على غير حقيقة، وحين تقول: أظن كذا يعني أنا غير مُتيقِّن منه. وأقلّ من الظن الوهم: لكن ما الظن الذي ظنوه ووصفه الله بأنه ظن السوء؟
قالوا: إن محمداً لن ينتصر علينا أبداً، وقد بيَّن الحق سبحانه هذا المعنى في قوله تعالى:
{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [الحج: 15].
يعني: الذي يظن هذا الظن ليس أمامه إلا أنْ يمد حبلاً إلى السماء ويتعلق به كالمشنوق، ثم ليقطع هذا الحبل، وينظر هل يُذهِبَ هذا غيظه.
وهذا الظن في الله سبحانه وتعالى، وأول ظنهم في الله أنْ قالوا: ليس له وجود. وآخرون قالو: موجود وله شريك. وآخرون قالوا: القرآن ليس من عند الله بل من عند محمد. وآخرون أنكروا البعث والقيامة.
وهذا كله ظَنُّ سَوْء بالله، لذلك يقابله الحق سبحانه بعذاب أيضاً سوء فيقول: { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ .. } [الفتح: 6] والدائرة منطقة لها محيط مغلقة، فكأنهم لا يقدرون على الإفلات منها لأنها محيطة بهم.
وفي موضع آخر قال سبحانه:
{ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [البروج: 20] ليس هذا وفقط، بل أيضاً { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [الفتح: 6] سبحان الله، كم جمع عليهم من ألوان النكال والعذاب والغضب واللعنة؟!
الغضب انفعال يثير الغاضب على المغضوب عليه فينتقم منه، الحق سبحانه وتعالى غنيٌّ عن الانفعال، إنما يُحدِّثنا على قدر فهمنا، وعلى قدْر ما في لغتنا من وسائل التعبير.
{ وَلَعَنَهُمْ .. } [الفتح: 6] طردهم من وساع رحمته وأبعدهم عنها، ثم بعد ذلك تلعنهم الملائكة ويلعنهم اللاعنون { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ .. } [الفتح: 6] أعدها بالفعل فهي موجودة الآن { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [الفتح: 6] وقوله: { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ .. } [الفتح: 6] هي الجزاء الطبيعي لظنِّ السَّوْء الذي ظنوه بالله.