خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
-الحجرات

خواطر محمد متولي الشعراوي

وهذه المسألة لها سبب، ففي حنين اختلفوا على شيء وتفاقم بينهم هذا الخلاف، حتى صار معركة خاصة بين سفهاء القوم منهم واستعملوا فيها الأسلحة الخفيفة مثل العِصيِّ وسعف النخيل والشماريخ، وقبل أنْ تتحول إلى حرب حقيقية بلغ الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "أصلحوا بين أخويكم" .
ذلك لأن المؤمنين إخوة في النسب من آدم عليه السلام، وإخوة في الإيمان، وإخوة النسب أسبق وتبعها إخوة الإيمان، وهذا يعني أن للكافر حقَّ أخوّة النسب، وإنْ لم يكُنْ له حق في أخوة الإيمان.
لذلك نقول في إخوة النسب إخوة، وفي الإيمان نقول:
{ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47] لذلك تكتمل الأخوة في إخوة الإيمان.
ويُروى أن معاوية دخل عليه حاجبه. فقال: يا أمير المؤمنين بالباب رجل يستأذن في الدخول، ويدَّعي أنه أخوك، فضحك معاوية وقال: خدمتني كذا وكذا ولا تعرف إخوتي؟ قال: هكذا قال لي، قال: أدخله، فلما دخل سأله معاوية: أي إخوتي أنت؟ فقال: أخوك من آدم، فضحك معاوية وقال: رحم مقطوعة، والله لأكوننَّ أولَ مَنْ وصلها، وقضى له حاجته.
ولفظ الإخوة هنا يُقرِّب النفوس، ويُزيل ما بين الناس من طبقية أو عصبية، لذلك نجد الأسلوب القرآني حتى في مسألة القصاص في القتلى يقول:
{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ .. } [البقرة: 178].
يريد أنْ يُذكره أنه أخوه رغم ما بينهما من عداوة و شحناء، فالله يُرقِّق القلوب حِرْصاً على سلامة المجتمع المسلم، ولمنزلة الأخوة في العلاقات الإنسانية قالوا في الحِكَم: رُبَّ أخ لك لم تلده أمك.
حتى أن البعض يرى أن الإنسان حينما يتعثر في الطريق فيصيبه مكروه يقول: أخ. كأنه يستنجد بأخيه، أي أخ له قريب منه يمكن أن يُسعفه.
وقوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات: 10] أي: اتقوا الله في عملية الإصلاح بين الطرفين.
{ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات: 10] ترحمون من ماذا؟ تُرحمون من استمرار العداوات بين المؤمنين، وهذا يعني ضرورة إنهاء الخلافات قبل أن تستفحل وتتمادى، وفي استفحالها ضرر يصيب الجميع، يصيب الطرفين المتنازعين أولاً، ثم يتعدَّى إليكم. حيث ترى كل طائفة أنكم تنحازون للأخرى. إذن: من مصلحة المجتمع كله إنهاء العداوات وحقن الدماء بين المؤمنين.