خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
-الأعراف

خواطر محمد متولي الشعراوي

"قاسم" مادة فاعل، تأتي للمشاركة، أي أن هناك طرفين اثنين، كل منهما فاعل في ناحية ومفعول في ناحية أخرى، مثل شارك زيد عمراً، وهي تعني أيضاً أن عمراً شارك زيداً، وهكذا تكون مادة فاعل وتفاعل، فكل منهما فاعل من جهة ومفعول من جهة. وفي المعنى نجد الاثنين فاعلاً ومفعولاً، إذن "قاسم" تحتاج إلى عمليتين اثنتين.. فهل جلس إبليس يقسم لآدم وزوجته، وهما يقسمان؟. ونقول: لا؛ لأنها تأتي مرة لغير المفاعلة، أو للمفاعلة اللزومية، والمفاعلة اللزومية تتضح في قوله الحق: { { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ .. } [الأعراف: 142].
وواعدنا، مثلها مثل فاعل، من الذي واعد؟. إنه الله الذي وعد موسى عليه السلام، ودخل موسى في الوعد بقبوله الوعد وتوفيته به.
إذن "قاسمهما" أي قبلا القسم ودخلا فيه.
{ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21].
و"قاسم"، أي أقسم، ولذلك حينما عاتب ربنا سيدنا آدم أوضح سبحانه: أنا قلت إنه عدو لك ولزوجك ولسوف يخرجنكما من الجنة لتتعب وتشقى، فقال آدم: يا ربي ما كنت أعتقد أن خلقاً من خلقك يقسم بك على الباطل. ولم يأتِ على البال أن خلقاً يقسم بالله على الباطل. وكانت هذه أول خديعة في الخلق. ولذلك نجد قتادة - رضي الله عنه - يقول: "المؤمن بالله يُخدع".
"والنبي عليه الصلاة والسلام عقد على امرأة ودخلت به، ومن كيد النساء وهن زوجات للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خفن أن يشغف بها حُبًّا، فقلن لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب هذه الكلمة، فإذا دخل عليك فقوليها!، قولي: أعوذ بالله منك، ولحظة أن دخل عليها سيدنا رسول الله، قالت له: أعوذ بالله منك. فقال لها: استعذت بمعاذ. ولم يقربها الرسول" ، وهذا ما يشرح لنا كيف يُخدع المؤمن بالله. وها هو ذا سيدنا عبد الله بن عمر كان يعتق من العبيد من يحسن الصلاة ويتقنها ويؤديها في مواعيدها، ويقف فيها خاشعاً، وحين عرف العبيد ذلك احترفوا إقامة الصلاة أمام المكان الذي يجلس فيه وكانوا يؤدونها بخشوع، وكان رضي الله عنه يعتقهم، وذهب له من يقول: إن العبيد يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله، انخدعنا له.
والنصح هنا: إغراء بمخالفة أمر الله، وكان يجب ألا تكون هناك غفلة من آدم، وكان لا بد أن يقارن بين الأمرين، بين غواية الشيطان له بالأكل، وبين أمر الحق سبحانه الذي قال له ولزوجه: لا تقربا. لكنه لم يفعل.
ويقول الحق بعد ذلك:
{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ... }.