الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
ولما قالوا: كيف يضرب الله الأمثال بالصَّيبِ والمُسْتَوْقدِ والعَنكَبُوْت نزل: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى } أي: لا يترك ترك المستحي، إذِ الحَياءُ: انقباض النفس من القبيح مخافة الذم، وهو -تعالى- مُنزَّه عنه، وأَصلُهُ التَّهيُّبُ، وآقره على الترك مبالغة أو مماثلة لكلام الكفرة { أَن يَضْرِبَ } يبين { مَثَلاً } شبهاً { مَّا } أي: شبه، وضرب المثل: اعماله من ضرب الخاتم { بَعُوضَةً } صغير البق { فَمَا فَوْقَهَا } صغراً أو كبراً { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ } المثل { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ } أيّ شي { أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } حَالٌ أو تَمْييْزٌ، وآثره على: فلا يعلمون؛ بيانا لكمال جهلهم كناية، والإرادة نزوع النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو قوة هي مبدأ النزوع، وإرادة الله -تعالى- ترجيح أحد مقدوريه على الأخر في الإيقاع، أو معنى يوجب هذا التجريح { يُضِلُّ بِهِ } بالمثل { كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } وكثرتهما بالنسبة إلى أنفسهما، إذ المهْدِيُّنَ قليلون { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } الخارجين عن الإيمان، والفاسقُ شَرعاً: الخارج عن أمر الله بارتكابه الكبيرة، وله ثلاث درجات:
*الأولى: التغابي بأن يرتكبها أحياناً مستقبحاً إياها.
* الثاني: الانهماك فيها بلا مبالاة بها.
* الثالث الجحود بأن يرتكبها مستصوبا إياها فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عن الإيمان، كما نحن فيه، وعند المعتزلة: مرتكب الكبيرة لا كافر ولا مؤمن؛ لأن الإيمان عندهم عبارة عن الأمور الثلاثة كما مَرَّ، والكفر تكذيب الحق، والنصوص تَرُدُّهُمْ { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ } يبطلون وأصله فسخ طاقات الحبل { عَهْدَ ٱللَّهِ } في قوله: { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] { مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ } أي: توكيده بإرسال الرسل مع الكتب المذكورة { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من الأرحام ونحوها مِمَّا هُوَ وصلة بيننا وبين الله { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } بالمعصية { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } والخاسر من خسر أحد ثلاثة: المال والبدن والعقل وهم من الثلاث.