خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٢٩
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣٠
-البقرة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ } لانتفاعكم في دنياكم بوسط أو غيره، وفي دينكم استدلالاً { مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } ولو سماء ونحوه، فالأصل في كله الإباحة وما يعم كل ما فيها لأنفسها إلا إذا أريد بها جهة السفل { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } قصد بإرادته { إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ } عدلهن بلا عوج، جمع؛ لأنها في معنى الجمع أو جمع سماة أو مبهم يفسره { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } فخلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها ودحو الأرض، أي: بسطها بعده كما قال أبنُ عَبَّاسٍ وغَيرهُ.
فلا يرد استشكال كثير المفسرين بأن هذا وما في "حَم" السجدة من قوله:
{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } [فصلت: 10] ينافي ما في النازعات، إذ فيها { { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] فأولوه تارة بأن ثُمَّ هُنا للتراخي الرتبي لا الزماني وتارة بأن "بعد" ليس ظرفاً "لدحاها"، وأن نصب الأرض بفعل دَلَّ عليه: { { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ } [الحشر: 13]؛ لأن خلق ما في الأرض كالجبال والأنهار ونحوها ليس بِدَحْوٍ ولا يستلزمه، فيمكن خلقها قبل دحوها وقبل السماء، وأما دحوها فبعد السماء؛ ليوافق لتفسير أكابر الصحابة، والله -تعالى- أعلم.
{ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَ } اذكر { إِذْ قَالَ رَبُّكَ } تعليماً للمشاورة وتعظيماً لآدم وبياناً؛ لأنَّ الحِكْمة تَقْتضيْ إيجادَ مَا يَغْلبُ خيرهُ شرَّهُ { لِلْمَلَٰئِكَةِ } جمع مَلْأَكَة الذي مخففه ملك، والراجح أنه من الملك لا من الألوكة بمعنى الرسالة، والمراد مُطْلَقُهُم، أَوْ مَلَائكةُ الأَرض.
والمَلَكُ: جسم لطيف قادر على التشكل بأشكال مختلفة [وعند الحكماء جَوَاهِرُ مُجَرَّدةٌ مخالفة للنفوس الناطفة حقيقة]، قيل: فمنهم المقربون المستغرقون في معرفة الحق، ومنْهُم السَّمَاويُّونَ من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ومنهم الأرضيون من يدبر أمر الأرض { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } من الله؛ لينفذ أحكامه امتحانا لهم وتهديدا، لَا عجْزاٍ.
والخليفةُ: مَنْ يَخْلف ويَنُوْبُ غَيْرَهُ، كما أن الخالفة من سيخلفه الرئيس على أهله أو من الجن أو أراد آدم وذريته يخلف بعضهم بعضاً { قَالُواْ } استكشافاً { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } إنما عرفوه بإعلام الله، أو تلقياً مِنَ اللَّوْحِ أو قياساً لأحد الثقلين على الأخر.
والسَّفْكُ والسَّبْكُ والسَّفْحُ والسَّنُ أنواع من الصَّبٌ { وَنَحْنُ } بإزاء هاتين الصفتين { نُسَبِّحُ } نُبَعِّدُكَ عن كل نقص ملتبسين { بِحَمْدِكَ } تداركوا به ما أوهم اسنادهم التسبيح إلى أنفسهم { وَنُقَدِّسُ } نطهر نفوسنا عن المعاصي { لَكَ } أو نقدسك عن المعاصي أو نقدسك عن النقص، فنحن أحق { قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من المصالح، ثم خلقه من أديم الأرض أي: وجهها.