لمَّا أُمِرَ صلى الله عليه وسلم بالإعْراض عنهم، نهاه عن إطاعتهم، فقال {بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ}: اثبت على تقواه {وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ}: فيما فيه وهن دينك {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً}: بالمصالح {حَكِيماً}: فيما حكم به {وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً}: في كل الأمور {مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}: لأنه معدن الروح الحيواني المتعلق للنفس الإنساني أو لا ومنبع القوى بأسرها فيمتنع تعدده، رد به قول من قال: لي قلبان يعقل كل منهما أفضل من عقل محمد، وكانوا يقولون للبيب ذو القلبين {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ}: بقولكم: أنت كظهر أمي ونحوه {أُمَّهَاتِكُمْ}: حتى تجعلوه فرقة مؤبدة بينكما كما في الجاهلية وتخصص الظهر، لأنه محل الركوب، وهي إذ غشيت تركيب غالبا فمعناه: حرم علي ركوبك كركوب ظهر الأم {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ}: من تبنونهم {أَبْنَآءَكُمْ}: حقيقة كزيد بن محمد بمجرد تنبيه والمتبنى المجهول النسب إن أمكن ثبوته سنًّا ينسب بشرط تصديقه إن كان بالغا، ويعتق بلا تصديق، وإن لم يمكن فلا يعتق خلافا للحنفية {ذَٰلِكُمْ}: المذكور أو الأخير {قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ}:بلا حقيقة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما تزوج زينب قال المنفقون: تزوج امرأة ابنه {وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ}: الحق {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ}: كزيد بن حارثة {هُوَ}: دعاؤهم كذلك {أَقْسَطُ}: أعدل {عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}: فادعوهم أخي ومولاي بهذا المعنى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}: إثم {فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ}: من النسبة {وَلَـٰكِن}: الجناح في {مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}: به، في الحديث: "مَلعُونٌ من نُسبَ إلى غَير أبيه" ، وفي منسوخ القرآن: "لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آباءكم" {وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: في كل الأمور، فيجب كونه أحب {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}: حرمة واحتراما، فلا يقال لهن: أمهات المؤمنات وقرئ: (وهو أبٌ لَهُم)، أي: دينًا، فالمؤمنون إخوة {وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ}: ذوو القرابات {بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ}: في الإرث {فِي كِتَابِ ٱللَّهِ}: فريضته {مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}: بحق الدين {وَٱلْمُهَاجِرِينَ}: بحق الهجرة، نسخ الإرث بهما بهذه الآية، وبالأنفال {إِلاَّ}: لكن {أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ}: من أحبابكم {مَّعْرُوفاً}: بوصية فجائر {كَانَ ذَلِكَ}: الحكم {فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً}: وخلافه شرع قبل لمصالح {وَ}: اذكر {إِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ}: في التبليغ {وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ}: ذكر أولي العزم لمزيد شرفهم {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً}: شديدا {لِّيَسْأَلَ}: الله {ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ}: في التبليغ تبكيتا للكفرة فأثابهم {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ}: حين اتفق المشركون وأهل الكتاب، وهم خمسة عشر ألفا، وحاصروا المدينة شهرا، والنبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق بشَوْر سلمان، ولم يقع بينهم إلا الترامي {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً}: الصبا، قلعت خيامهم {وَجُنُوداً}: من الملائكة {لَّمْ تَرَوْهَا}: فكبروا من جوانبهم حتى انهزموا خائفين {وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ}: أعلى الوادي {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ}: أي: أحاطوا بكم {وَإِذْ زَاغَتِ}: مالت {ٱلأَبْصَارُ}: عن مستوى نظرها حيرة {وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ}: من الرعب {ٱلْحَنَاجِرَ}: منتهى الحلقوم إذ الرئة تنتفخ بالروح فيرتفع بارتفاعها إليه، ولما اشتكوا منه قال عليه الصلاة والسلام: "قُوْلُوا: اللّهُمّ اسْتُر عوراتنا وآمن روعتنا" {وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ}: أنواع الظن المؤمنون إنجاز وعده والمنافقون إخلافه، وزيدت الألف تشبيها للفواصل بالقوافي {هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ}: اختبر {ٱلْمُؤْمِنُونَ}: فظهر المخلص من غيره {وَزُلْزِلُواْ}: بالخوف {زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}: ضعف اعتقاده {مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً}: باطلا {وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ}: المنافقون {يٰأَهْلَ يَثْرِبَ}: اسم المدينة قديما فغيرها عليه الصلاة والسلام بطيبة، لما فيه معنى اللوم {لاَ مُقَامَ لَكُمْ}: هنا عند النبي صلى الله عليه وسلم {فَٱرْجِعُواْ}: هاربين أو مرتدين {رْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ}:للرجوع {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}: مُخْتلّة بلا حصن {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن}: ما {يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ}: بيوتهم {عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا}: جوانبها {ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ}: الشرك {لآتَوْهَا}: فعلوها {وَمَا تَلَبَّثُواْ}: في إجابة الفتنة {بِهَآ إِلاَّ}: لبثا {يَسِيراً}: لحبهم الكفر {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ}:في الزحف {وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً}: عن الوفاء به {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً}: إن فررتم {لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ}: زمانا {قَلِيلاً}: بقية آجالكم