{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } المذكورون { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ }: من خيبر { لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ }: أي: وعده بأن مغانم خيبر لأهل الحديبية خاصة { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ }: قبل سؤالكم { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا }: أن نشارككم فيها { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ }: فقها { قَلِيلاً }: لأمور الدنيا { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ }: كرر اسمهم كذلك تشنيعا { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ }: بنو حنيفة ف يزمن الصديق، أو فارس في زمن الفاروق { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ } هم { يُسْلِمُونَ }: ينقادون ولو بقبول الجزية فيه ديل صحة خلافتهما؛ لأن محاربتهما كانت للإسلام، وأما قتال الصِفِّيْن ونحوه فكان لمُلْكٍ { فَإِن تُطِيعُواْ }: بقتالهم { يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً }: في الدارين { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ }: عام الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }: في الدارين { لَّيْسَ }: في التخلف { عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ }: وإن وجدد المركب { وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ }: عن الطاعة { يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }: في الدارين { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: كانوا ألفا وثلاثمائة أو أكثر في الحديبية، حين بعث عثمان رضي الله عنه - إلى مكة وحبسوه وهموا بقتله { إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ }: سمرة أو سدرة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }: من الإخلاص { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ }: الطمأنينة { عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ }: جازاهم { فَتْحاً قَرِيباً }: كخيبر، أو صلحهم الذي صار سبب الفتوح { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا }: من الفتوحات { وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ }: من خيبر { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ }: يهود خيبر، إذ هموا بالإعارة على عيالكم إذ خرجتم فقذف فيهم الرعب { عَنْكُمْ وَ }: فعله { لِتَكُونَ }: الكف أو الغنيمة { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ }: على صدق عد الرسول بالغنائم { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }: هو الثقة به { وَ }: مغانم { أُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا }: لشوكة أهلها كفارس والروم { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا }: أحاطه الحراس إلى أن يأخذها من بعدكم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (*) وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ }: بالحديبية { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ }: انهزاما { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * سُنَّةَ }: أي: كسنة { ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ }: من سوء عاقبة أعدائه { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً * وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم }: في الحديبية { بِبَطْنِ مَكَّةَ }: الحرم { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ }: إذ جاء ثمانون منهم ليصيبوا منكم فأخذتموهم ثم عفوتم عنهم، فصار سبب الصلح { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ }: دخول { ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَ }: صدوا { ٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً }: محبوسا، كان سبعين بدنة { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ }: المعهود، وهو منى، وفسره الحنفية بمكان لا يجوز النحر في غيره، وهو الحرم ويرده نحره عليه الصلاة والسلام في الحديبية حين حصر، فلا يثبت قولهم محله في الإحصار هو الحرم { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ }: بمكة مع الكفار { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ }: بأعيانهم لاختلاطهم بهم { أَن تَطَئُوهُمْ }: بدل من هم، أي: تقتلوهم مع الكفار { فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ }: من قتلهم { مَّعَرَّةٌ }: مكروه ككفارة ودية كائنة { بِغَيْرِ عِلْمٍ }: منكم، وجوب "لولا": لما كف أيديكم لكن كفها { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ }: بتوفيق زيدة الخير { مَن يَشَآءُ }: كهؤلاء المختلطين { لَوْ تَزَيَّلُواْ }: تميزوا عنهم { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ }: من أهل مكة بالقتل والسبي { عَذَاباً أَلِيماً * إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ }: الأنفة { حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ }: بصدكم عن المسجد { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ }: بالثبات { عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }: فحفظهم عن الحمية حتى صالحوهم على أن يدخلوا من قابل { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ }: التهليل، إذْ هو مع والله أكبر، أو التسمية { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا }: منا لكفار، هذا من قبيل خير مستقر { وَأَهْلَهَا }: في علم الله { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ }: في { ٱلرُّءْيَا }: إذ رأى قبيل الحديبية فتح مكة، ورؤيا الأنبياء وحيٌّ، فأخبرهم، فلما منعوا منه تكلموا في ذلك فحققها في العام المقبل { بِٱلْحَقِّ }: قسم، جوابه { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ }: من قمالة تلك الرؤيا أو للتعليم { آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ }: بعض شعورها أي: بعضكم كذا وبعضكم كذا { لاَ تَخَافُونَ }: بعده { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ }: من حكم التاخير { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ }: الدخول { فَتْحاً قَرِيباً }: كخيبر أو كصلح الحديبية { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ }: ملتبسا { بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ }: ليغلبه { عَلَى }: جنس { ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }: أي: على صحة رسالتك يدل عليه { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ }: نزل ردا لمنعم أن يكتب: هذا ما صالح به رسول الله { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ }: مبتدأ خبره ما بعده، قال الحسن: هو الصديق { أَشِدَّآءُ }: غلاظ { عَلَى ٱلْكُفَّارِ }: الفاروق { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ }: عثمان و{ تَرَاهُمْ }: أيها السامعون { رُكَّعاً سُجَّداً }: أي كثيري الصلاة عليّ، { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً }: بقية العشرة { سِيمَاهُمْ }: علامتهم هي نورهم في القيامة أو صرفتهم للسهر، أو أثر التُّراب { فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ }: لكثرته { ذَلِكَ }: المذكور { مَثَلُهُمْ }: صفتهم العجيبة { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ }: مبتدأ: ما بعده خبره بمعنى هم في قلتهم أولا، ثم تكثرهم ثم استحكامهم ثم ترقيهم إلى حال معجبة { كَزَرْعٍ }: قال الحسن: هو محمد عليه الصلاة والسلام و{ أَخْرَجَ شَطْأَهُ }: أي: فراخه الصديق { فَآزَرَهُ }: أي: قواه يعني عمر { فَٱسْتَغْلَظَ }: أي: غلظ باجتما الفراخ مع الأصول عثمان { فَٱسْتَوَىٰ }: استقام { عَلَىٰ سُوقِهِ }: قصبته، جمع ساقٍ عليّ و{ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ }: لنهاية قوته وحسنه هم المؤمنون { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ }: عِلّة لمدلول التشبيه، أي: إنما قوامه لذلك، وهو قول عمر رضي الله عنهم بعد إسلامه: لَا يُعْبَدُ الله سِرّاً بَعْدَ اليوم { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم }: بيانه أي وعدهم { مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }. واللهُ أعْلَمُ بالصّواب وإليه المرجعُ والمآب.