{ وإن كان قميصه قُدَّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصادقين }.
{ فلما رأى قميصه قُدَّ من دبرٍ } من حكم الشَّاهد وبيانِه ما يُوجب الاستدلال على
تمييز الكاذب من الصَّادق، فلمَّا رأى زوج المرأة قميص يوسف قدَّ من دبرٍ { قال:
إنَّه من كيدكنَّ } أَيْ: قولِك: { ما جزاء مَنْ أراد بأهلك سوءاً... } الآية.
{ يوسف } يا يوسف { أعرض عن هذا } اترك هذا الأمر فلا تذكره { واستغفري
لذنبك إنك كنت من الخاطئين } الآثمين، ثمَّ شاع ما جرى بينهما في مدينة مصر
حتى تحدَّثت بذلك النِّساء، وخضن فيه وهو قوله:
{ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها } غلامها { عن نفسه قد شغفها
حُبَّاً } قد دخل حبُّه في شغاف قلبها، وهو موضع الدَّم الذي يكون داخل القلب
{ إنا لنراها في ضلالٍ } عن طريق الرُّشد بحبِّها إيَّاه.
{ فلما سمعت } امرأة العزيز { بمكرهنَّ } مقالتهنَّ، وسمِّيت مكراً لأنهنَّ قصدْنَ
بهذه المقالة أن تُريهنَّ يوسف، ليقوم لها العذر في حبِّه إذا رأين جماله، وكنَّ
مشتهين ذلك؛ لأنَّ يوسف وُصف لهنَّ بالجمال { أرسلت إليهن } تدعوهنَّ
{ وأعتدت } وأعدَّت { لهنَّ مُتّكَأً } طعاماً يقطع بالسِّكين. قيل: هو الأترج
{ وآتت } وناولت { كلَّ واحدةٍ منهن سكيناً وقالت } ليوسف: { اخرج عليهنَّ فلما
رأينه أكبرنه } أعظمنه وهَالَهُنَّ أمره وبُهتن { وقطعن أيديهنَّ } حَززْنَها بالسَّكاكين،
ولم يجدن الألم لشغل قلوبهنَّ بيوسف { وقلن حاشَ لِلَّه } بَعُدَ يوسف عن أن
يكون بشراً { إنْ هذا } ما هذا { إلاَّ ملك كريم } فلمَّا رأت امرأة العزيز ذلك
قالت:
{ فذلكنَّ الذي لُمْتُنَّنِي فيه } في حبِّه والشَّغف فيه، ثم أقرَّّت عندهنَّ بما فعلت
فقالت: { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } فامتنع وأبى، وتوعَّدته بالسِّجن
فقالت: { ولئن لم يفعل... } الآية؛ فأمرنه بطاعتها، وقلن له: إنَّك الظَّالم وهي
المظلومة، فقال يوسف:
{ ربِّ السجن أحبُّ إلي ممَّا يدعونني إليه } من معصيتك { وإلاَّ تصرف عني
كيدهنَّ } كيد جميع النِّساء { أصبُ إليهنَّ } أمل إليهنَّ { وأكن من الجاهلين }
المذنبين.