{ قل } يا محمد للمشركين: { من ربُّ السموات والأرض }؟ ثمَّ أخبرهم فقل:
{ الله } لأنَّهم لا ينكرون ذلك، ثمَّ ألزمْهم الحجَّة فقلْ: { أفاتخذتم من دونه
أولياء } تولَّيتم غير ربِّ السَّماء والأرض أصناماً { لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا
ضرَّاً } ثمَّ ضرب مثلاً للذي يعبدها والذي يعبد الله سبحانه، فقال: { قل هل
يستوي الأعمى } المشرك { والبصير } المؤمن { أم هل تستوي الظلمات } الشِّرك
{ والنور } الإِيمان { أم جعلوا لله شركاء.. } الآية. يعني: أجعلوا لله شركاء
خلقوا مثل ما خلق الله، فتشابه خلق الشُّركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا استفهامُ
إنكارٍ، أَيْ: ليس الأمرُ على هذا حتى يشتبه الأمر، بل الله سبحانه هو المتفرِّد
بالخلق، وهو قوله: { قل الله خالق كلِّ شيء }.
{ أنزل من السماء ماءً } يعني: المطر { فسالت أودية } جمع وادٍ { بقدرها } بقدر
ما يملأها. أراد بالماء القرآن، وبالأودية القلوب، والمعنى: أنزل قرآناً فقبلته
القلوب بأقدارها منها ما رُزق الكثير، ومنها ما رُزق القليل، ومنها ما لم يُرزق شيئاً
{ فاحتمل السيل زبداً } وهو ما يعلو الماء { رابياً } عالياً فوقه، والزَّبَد مَثلُ الكفر.
يريد: إنَّ الباطل - وإنْ ظهر على الحقِّ في بعض الأحوال - فإنَّ الله سيمحقه
ويُبطله، ويجعل العاقبة للحقِّ وأهله، وهو معنى قوله: { فأمَّا الزبد فيذهب جفاء }
وهو ما رمى به الوادي { وأمَّا ما ينفع الناس } ممَّا ينبت المرعى { فيمكث } يبقى
{ في الأرض } ثمَّ ضرب مثلاً آخر، وهو قوله: { وممَّا يوقدون عليه في النَّار }
يعني: جواهر الأرض من الذَّهب والفضَّة والنُّحاس وغيرها ممَّا يدخل النَّار، فتوقد
عليها وتتخذ منها الحُلِيُّ، وهو الذَّهب والفضَّة، والأمتعة وهي للأواني، يعني:
النُّحاس والرَّصاص وغيرهما، وهذا معنى قوله: { ابتغاء حلية أو متاعٍ زبدٌ مثله }
أَيْ: مثل زبد الماء. يريد: إنَّ من هذه الجواهر بعضها خبث ينفيه الكير.
{ كذلك } كما ذُكر من هذه الأشياء { يضرب الله } مثل الحقِّ والباطل، وهذه الآية
فيها تقديمٌ وتأخير في اللَّفظ، والمعنى ما أخبرتك به.
{ للذين استجابوا لربهم } أجابوه لى ما دعاهم إليه { الحسنى } الجنَّة { والذين
لم يستجيبوا له } وهم الكفَّار { لو أنَّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا
به } جعلوه فداء أنفسهم من العذاب { أولئك لهم سوء الحساب } وهو أن لا تُقبل
منهم حسنة، ولا يتجاوز عن سيئة.
{ أفمن يعلم أنَّ ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى } نزلت في أبي جهل
لعنه الله، وحمزة رضي الله عنه { إنما يتذكر } يتَّعظ ويرتدع عن المعاصي
{ أولوا الألباب } يعني: المهاجرين والأنصار.
{ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق } يعني: العهد الذي عاهدهم عليه
وهم في صلب آدم.
{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } وهو الإِيمان بجميع الرُّسل.