{ وإذا ابتلى إبراهيم ربُّه } اختبره: أَيْ: عامله معاملة المُختبِر { بكلماتٍ } هي عشر
خصالٍ: خمسٌ في الرأس، وهي: الفرق، والمضمضة، والاستنشاق، والسِّواك،
وقصُّ الشَّارب، وخمسٌ في الجسد، وهي: تقليم الأظفار، وحلق العانة،
والختان، والاستنجاء، ونتف الرُّفغين { فأتمهنَّ } أدَّاهنَّ تامَّاتٍ غير ناقصات
{ قال } الله تعالى: { إني جاعلك للناس إماماً } يقتدي بك الصَّالحون. فقال
إبراهيم: { ومِنْ ذريتي } أَيْ: ومن أولادي أيضاً فاجعل أئمةً يُقتدى بهم، فقال الله
عزَّ وجلَّ { لا ينال عهدي الظالمين } يريد: مَنْ كان من ولدك ظالماً لا يكون
إماماً، ومعنى: { عهدي } أَيْ: نُبوَّتي.
{ وإذ جعلنا البيت } يعني: الكعبة { مثابةً للناس } معاداً يعودون إليه لا يقضون
منه وطراً، كلَّما انصرفوا اشتاقوا إليه { وأَمْناً } أَيْ: مؤمناً، وكانت العرب يرى
الرَّجل منهم قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرَّض له، وأمَّا اليوم فلا يُهاج الجاني إذا
التجأ إليه عند أهل العراق، وعند الشافعيِّ: الأولى أن لا يُهاج، فإنْ أُخيف بإقامة
الحدِّ عليه جاز. وقد قال كثيرٌ من المفسرين: مَنْ شاء آمن، ومَنْ شاء لم يُؤمن،
كما أنَّه لمَّا جعله مثابةً، مَنْ شاء ثاب، ومَنْ شاء لم يثب. { واتَّخذوا } أَيْ:
النَّاس { من مقام إبراهيم } وهو الحجر الذي يُعرف بمقام إبراهيم، وهو موضع
قدميه { مصلَّى } وهو أنَّه تُسنُّ الصَّلاة خلف المقام، قُرىء على هذا الوجه على
الخبر، وقرىء بالكسر على الأمر. { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } أمرناهما
وأوصينا إليهما { أنْ طهِّرا بيتي } من الأوثان والرِّيَب [ { للطائفين } حوله، وهم
النزائع إليه من آفاق الأرض { والعاكفين } أي: المقيمين فيه، وهم سكان الحرم
{ والركع } جمع راكع و { السجود } جمع ساجد؛ مثله: قاعد وقعود].
{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا } أَيْ: هذا المكان وهذا الموضع { بلداً } مسكناً
{ آمناً } أَيْ: ذا أمنٍ لا يُصاد طيره، ولا يُقطع شجره ولا يُقتل فيه أهله. { وارزق
أهله من الثمرات } أنواع حمل الشَّجر { مَنْ آمن منهم بالله واليوم الآخر } خَصَّ
إبراهيم عليه السلام بطلب الرزق المؤمنين. قال تعالى: { وَمَنْ كفر فأمتعه قليلاً }
فسأرزقه إلى منتهى أجله { ثمَّ أضطره } أُلجئه في الآخرة { إلى عذاب النار وبئس
المصير } هي.
{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد } أصول الأساس { من البيت وإسماعيل } ويقولان:
{ ربنا تقبلْ منَّا } تقرُّبنا إليك ببناء هذا البيت { إنك أنت السميع } لدعائنا
{ العليمُ } بما في قلوبنا.