{ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} ألم تعلم، ألم ينته علمك إلى هؤلاء،
وهم قومٌ من بني إسرائيل خرجوا من بلدتهم هاربين من الطَّاعون، حتى نزلوا
وداياً فأماتهم الله جميعاً، فذلك قوله: {حذر الموت} أَيْ: لحذر الموت {فقال
لهم الله موتوا ثم أحياهم} مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم عقوبةً لهم
ثمَّ بعثهم ليستوفوا بقيَّة آجالهم {إنَّ الله لذو فضل على الناس} أَيْ: تفضُّلٍ عليهم
بأَنْ أحياهم بعد موتهم.
{وقاتلوا في سبيل الله} يحرِّض المؤمنين على القتال {واعلموا أنَّ الله سميعٌ} لما
يقوله المُتعلِّل {عليمٌ} بما يضمره، فإيَّاكم والتَّعلُّلَ.
{مَنْ ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} أَيْ: مَنْ ذا الذي يعمل عمل المُقرض، بأن
يقدِّم من ماله فيأخذ أضعاف ما قدَّم، وهذا استدعاءٌ من الله تعالى إلى أعمال البرِّ
{والله يقبض} أَيْ: يُمسك الرِّزق على مَنْ يشاء {ويبسط} أي: ويوسِّع على من
يشاء.
{ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل} أَي: إلى الجماعة {إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث
لنا ملكاً} سألوا نبيَّهم أشمويل عليه السَّلام ملكاً تنتظم به كلمتهم، ويستقيم حالهم
في جهاد عدوِّهم، وهو قوله: {نقاتل في سبيل الله} فـ {قال} لهم ذلك النَّبيُّ:
{هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} أَيْ: لعلَّكم أَنْ تجبنوا عن القتال
{قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} أَيْ: وما يمنعنا عن ذلك؟ {وقد أخرجنا
من ديارنا} {و} أُفردنا من {أبنائنا} بالسِّبي والقتل. يعنون: إذا بلغ الأمر منَّا
هذا فلا بدَّ من الجهاد. قال الله تعالى: {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلاَّ قليلاً
منهم} وهم الذين عبروا النَّهر، ويأتي ذكرهم.
{وقال لهم نبيُّهم إنَّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} أَيْ: قد أجابكم إلى ما سألتم
من بعث الملك {قالوا} كيف يملك علينا؟ وكان من أدنى بيوت بني إسرائيل،
ولم يكن من سبط المملكة، فأنكروا ملكه وقالوا: {ونحن أحق بالملك منه ولم
يؤت سعة من المال} أَيْ: لم يُؤت ما يتملَّك به الملوك {قال} النبيُّ: {إنَّ الله
اصطفاه عليكم} [اختاره] بالملك {وزاده بسطة في العلم والجسم} كان
طالوت يومئذٍ أعلم رجلٍ في بني إسرائيل وأجمله وأتمَّه. والبسطة: الزِّيادة في كلِّ
شيء {والله يؤتي ملكه من يشاء} ليس بالوراثة {والله واسع} أَيْ: واسع الفضل
والرِّزق والرَّحمة، فسألوا نبيَّهم على تمليك طالوت آيةً.