{ وإذ قال ربك } واذكر لهم يا محمَّدُ إذ قال ربُّك { للملائكة إني جاعلٌ في
الأرض خليفة } يعني: آدم، جعله خليفةً عن الملائكة الذين كانوا سكَّان الأرض
بعد الجنِّ، والمراد بذكر هذه القصَّة ذكرُ بدءِ خلق النَّاس. { قالوا أتجعل فيها مَنْ
يفسد فيها } كما فعل بنو الجانِّ، قاسوا [الشَّاهد] على الغائب { ونحن نسبح
بحمدك } نُبرِّئُك من كلِّ سوءٍ، ونقول: سبحان الله وبحمده، { ونقدِّسُ لك }
ونُنزِّهك عمَّا لا يليق بك { قال إني أعلم ما لا تعلمون } من إضمار إبليس العزم
على المعصية، فلمَّا قال الله تعالى هذا للملائكة قالوا فيما بينهم: لن يخلق ربُّنا
خلقاً هو أعلمُ منَّا، ففضَّل الله تعالى عليهم آدم بالعلم، وعلَّمه اسم كلِّ شيء حتى
القصعة [والقصيعة ] والمِغْرفة، وذلك قوله تعالى:
{ وعلَّم آدم الأسماءَ كلَّها } أَيْ: خلق في قلبه علماً بالأسماء على سبيل الابتداء
{ ثمَّ عرَضهم } أَيْ: عرض المسمَّيات بالأسماء من الحيوان والجماد وغير ذلك
{ على الملائكة فقال أنبئوني } أخبروني { بأسماء هٰؤلاء } وهذا أمرُ تعجيزٍ، أراد
الله تعالى أن يُبيِّن عجزهم عن علم ما يرون ويُعاينون { إن كنتم صادقين } أنِّي
لا أخلق خلقاً أعلمَ منكم، فقالت الملائكة إقراراً بالعجز واعتذاراً:
{ سبحانك } تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك في حكمك { لا علم لنا إلاَّ
ما علمتنا } اعترفوا بالعجز عن علم ما لم يُعلَّموه { إنَّك أنت العليم } العالم
{ الحكيم } الحاكم تحكم بالحقِّ وتقتضي به، فلمَّا ظهر عجز الملائكة قال الله
تعالى لآدم: { يا آدم أنبئهم بأسمائهم }.