{وأنكحوا الأيامى منكم} الذين لا أزواج لهم من الرِّجال والنِّساء {والصالحين من عبادكم} عبيدكم {وإمائكم} جواريكم {إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله} هذا وعدٌ من الله تعالى بالغنى على النِّكاح، وإعلامٌ أنَّه سببٌ لنفي الفقر.
{وليستعفف} وليعفَّ عن الحرام مَنْ لا يقدر على تزوُّج امرأةٍ، بأن لا يملك
المهر والنًّفقة {حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون} يطلبون {الكتاب}
المكاتبة {مما ملكت أيمانكم} من عبيدكم، وهو أن يطلب من مولاه أن يبيعه منه
بمالٍ معلومٍ يُؤدِّيه إليه في مدَّةٍ معلومةٍ، فإذا أدَّى ذلك عتق {فكاتبوهم} فأعطوهم
ما يطلبون من الكتابة {إن علمتم فيهم خيراً} اكتساباً للمال، يقدرون على أداء
مال الكتابة {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} يعني: حطُّوا عنهم من المال الذي
كاتبتموهم عليه، ويستحبُّ ذلك للسيِّد، وهو أن يحطَّ عنه ربع المال. وقيل:
المراد بهذا أن يُؤتوا سهمهم من الزَّكاة {ولا تكرهوا فتياتكم} إماءكم {على
البغاء} الزِّنا. نزلت في عبد الله ابن أُبيِّ، وكانت له جوارٍ يكرههنَّ على الزِّنا،
ويأخذ منهنَّ أجراً معلوماً {إن أردن تحصناً} قيل: إنَّ هذا راجعٌ إلى قوله:
{وأنكحوا الأيامى منكم والصَّالحين من عبادكم وإمائكم} إن أردن تحصُّناً.
وقيل: "إنْ" بمعنى: "إذ"، والمعنى: لا تكرهوهنَّ على الزِّنا إذ أردن التًّعفُّف عنه
{لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} يعني: ما يؤخذ من أجورهنَّ {ومن يكرههنَّ} على
الزِّنا {فإنَّ الله من بعد إكراههنَّ} لهنَّ {غفور رحيم} والوزر على المُكْرِه.
{ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} يعني: القرآن {ومثلاً} وخبراً وعبرةً {من الذين
خَلَوا} مضوا {من قبلكم} يعني: ما ذُكر من قصص القرون الماضية.
{الله نور السموات والأرض} أَيْ: بنوره وهداه يَهتدي من في السموات
والأرض، ثمَّ ضرب مثلاً لذلك النُّور الذي يقذفه في قلب المؤمن حتى يهتدي به
فقال: {مثل نوره كمشكاة} وهي الكوَّة غير النَّافذة، والمراد بها ها هنا الذي
وسط القنديل كالكوَّة يُوضع فيها الذُّبالة، وهو قوله: {فيها مصباح} يعني:
السِّراج {المصباح في زجاجة} لأنَّ النُّور في الزُّجاج، وضوء النَّار أبين منه في
كلِّ شيءٍ. {الزجاجة كأنها كوكب} لبياضه وصفائه {دريّ} منسوبٌ إلى أنَّه
كالدُّرِّ {تُوقدُ} أي: الزُّجاجة، والمعنى للمصباح، ولكنه حذف المضاف، مَنْ
قرأ بالياء أراد: يُوقد المصباح {من شجرة} أَيْ: من زيت شجرةٍ {مباركة زيتونة
لا شرقية} ليست ممَّا يطلع عليها الشَّمس في وقت شروقها فقط {ولا غربية}
أو عند الغروب، والمعنى: ليس يسترها عن الشَّمس في وقتٍ من النَّهار شيءٌ،
فهو أنضر لها، وأجود لزيتها {يكاد زيتها يضيء} لصفائه دون السِّراج، وهو
قال عزَّ مِنْ قائلٍ: {يهدي الله لنوره مَنْ يشاء...} الآية
{في بيوت} أَي: المصباح يوقد في بيوتٍ، يعني: المساجد {أذن الله أن ترفع}
تبنى، وقوله تعالى:
{تتقلب فيه القلوب} بين الطَّمع في النَّجاة، والحذر من الهلاك {والأبصار}
تتقلَّب في أيِّ ناحيةٍ يُؤخذ بهم، أذات اليمين أم ذات الشِّمال؟ ومن أيِّ جهةٍ
يُؤتون كُتبهم من جهة اليمين أم من جهة الشِّمال؟
{ليجزيهم الله أحسن} بأحسن {ما عملوا ويزيدهم من فضله} ما لم يستحقُّوه
بأعمالهم، ثمَّ ضرب مثلاً لأعمال الكافرين، فقال:
{والذين كفروا أعمالهم كسراب} وهو ما يرى في الفلوات عند شدَّة الحرِّ، كأنَّه
ماءٌ {بقيعة} جمع قاعٍ، وهو المنبسط من الأرض {يحسبه الظمآن} يظنُّه
العطشان {ماءً حتى إذا جاءه} جاء موضعه {لم يجده شيئاً} كذلك الكافر يحسب
أنَّ عمله مُغنٍ عنه أو نافعه شيئاً، فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد علمه
أغنى عنه شيئاً {ووجد الله عنده} ووجد الله بالمرصاد عند ذلك {فوفَّاه حسابه}
تحمَّل جزاء عمله.