{ إذْ تصعدون } تَبعدون في الهزيمة { ولا تلوون } لا تقيمون { على أحد والرسول
يدعوكم في أخراكم } من خلفكم يقول: إليَّ عبادَ الله [إليَّ عباد الله، إليَّ
عباد الله]، وأنتم لا تلتفتون إليه { فأثابكم } أَيْ: جعل مكان ما ترجعون من
الثَّواب { غمَّاً } وهو غمُّ الهزيمة وظفر المشركين { بغمٍّ } أَيْ: بغمِّكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عصيتموه { لكيلا تحزنوا } أَيْ: عفا عنكم لكيلا تحزنوا { على
ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصابكم } من القتل والجراح.
{ ثمَّ أنزل عليكم من بعد الغمِّ أمةً نعاساً } وذلك أنَّهم خافوا كرَّة المشركين عليهم،
وكانوا تحت الحَجَف مُتأهِّبين للقتال، فأمَّنهم الله تعالى أمناً ينامون معه، وكان
ذلك خاصَّاً للمؤمنين، وهو قوله: { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمَّتهم } وهم
المنافقون. كان همَّهم خلاص أنفسهم { يظنون بالله غير الحق } أَيْ: يظنون أن
أمر محمد عليه السَّلام مضحملٌّ، وأنه لا ينصر { ظنّ الجاهلية } أَيْ: كظنِّ أهل
الجاهليَّة، وهم الكفَّار { يقولون: هل لنا من الأمر من شيء } ليس لنا من النصر
والظَّفَر شيء كما وُعدنا. يقولون ذلك على جهة التكذيب. فقال الله تعالى: { إنَّ
الأمر كلّه لله } أَيْ: النصر والشهادة، والقدر والقضاء { يخفون في أنفسهم } من
الشك والنفاق { ما لا يُبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } أَيْ: لو كان
الاختيار إلينا { ما قتلنا هَهُنَا } يعنون: أنَّهم أخرجوا كُرهاً، ولو كان الأمر بيدهم
ما خرجوا، وهذا تكذيبٌ منهم بالقدر، فردَّ الله عليهم بقوله: { قل لو كنتم في
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } مصارعهم، ولم يكن
لِيُنجيهم قعودُهم { وليبتلي الله ما في صدوركم } أيُّها المنافقون، فعلَ الله ما فعلَ
يوم أُحدٍ { وليمحِّص } ليظهر ويكشف { ما في قلوبكم } أيُّها المؤمنون من الرِّضا
بقضاء الله { والله عليمٌ بذات الصدور } بضمائرها.
{ إنَّ الذين توَّلوا منكم } أيُّها المؤمنون { يوم التقى الجمعان } أَيْ: الذين انهزموا
يوم أحد { إنما استزلَّهم الشيطان } حملهم على الزَّلَّة { ببعض ما كسبوا } يعني:
معصيتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم بترك المركز { ولقد عفا الله عنهم } تلك الخطيئة.
{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } أَيْ: المنافقين { وقالوا لإِخوانهم }
أَيْ: في شأن إخوانهم في النَّسب { إذا ضربوا في الأرض } أَيْ: سافروا فماتوا
وهلكوا { أو كانوا غُزَّىً } جمع غازٍ، فقتلوا { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا }
تكذيباً منهم بالقضاء والقدر { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } أَيْ: ليجعل
ظنَّهم أنَّهم لو لم يحضروا الحرب لاندفع عنهم القتل { حسرة في قلوبهم } ينهى
المؤمنين أن يكونوا كهؤلاءِ الكفَّار في هذا القول منهم، ليجعل اللَّهُ ذلك حسرةً
في قلوبهم دون قلوب المؤمنين { واللَّهُ يحيي ويميت } فليس يمنع الإِنسان تحرُّزه
من إتيان أجله.