خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٥٣
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٥٥
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١٥٦
-آل عمران

{ إذْ تصعدون } تَبعدون في الهزيمة { ولا تلوون } لا تقيمون { على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } من خلفكم يقول: إليَّ عبادَ الله [إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله]، وأنتم لا تلتفتون إليه { فأثابكم } أَيْ: جعل مكان ما ترجعون من الثَّواب { غمَّاً } وهو غمُّ الهزيمة وظفر المشركين { بغمٍّ } أَيْ: بغمِّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عصيتموه { لكيلا تحزنوا } أَيْ: عفا عنكم لكيلا تحزنوا { على ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصابكم } من القتل والجراح.
{ ثمَّ أنزل عليكم من بعد الغمِّ أمةً نعاساً } وذلك أنَّهم خافوا كرَّة المشركين عليهم، وكانوا تحت الحَجَف مُتأهِّبين للقتال، فأمَّنهم الله تعالى أمناً ينامون معه، وكان ذلك خاصَّاً للمؤمنين، وهو قوله: { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمَّتهم } وهم المنافقون. كان همَّهم خلاص أنفسهم { يظنون بالله غير الحق } أَيْ: يظنون أن أمر محمد عليه السَّلام مضحملٌّ، وأنه لا ينصر { ظنّ الجاهلية } أَيْ: كظنِّ أهل الجاهليَّة، وهم الكفَّار { يقولون: هل لنا من الأمر من شيء } ليس لنا من النصر والظَّفَر شيء كما وُعدنا. يقولون ذلك على جهة التكذيب. فقال الله تعالى: { إنَّ الأمر كلّه لله } أَيْ: النصر والشهادة، والقدر والقضاء { يخفون في أنفسهم } من الشك والنفاق { ما لا يُبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } أَيْ: لو كان الاختيار إلينا { ما قتلنا هَهُنَا } يعنون: أنَّهم أخرجوا كُرهاً، ولو كان الأمر بيدهم ما خرجوا، وهذا تكذيبٌ منهم بالقدر، فردَّ الله عليهم بقوله: { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } مصارعهم، ولم يكن لِيُنجيهم قعودُهم { وليبتلي الله ما في صدوركم } أيُّها المنافقون، فعلَ الله ما فعلَ يوم أُحدٍ { وليمحِّص } ليظهر ويكشف { ما في قلوبكم } أيُّها المؤمنون من الرِّضا بقضاء الله { والله عليمٌ بذات الصدور } بضمائرها.
{ إنَّ الذين توَّلوا منكم } أيُّها المؤمنون { يوم التقى الجمعان } أَيْ: الذين انهزموا يوم أحد { إنما استزلَّهم الشيطان } حملهم على الزَّلَّة { ببعض ما كسبوا } يعني: معصيتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم بترك المركز { ولقد عفا الله عنهم } تلك الخطيئة.
{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } أَيْ: المنافقين { وقالوا لإِخوانهم } أَيْ: في شأن إخوانهم في النَّسب { إذا ضربوا في الأرض } أَيْ: سافروا فماتوا وهلكوا { أو كانوا غُزَّىً } جمع غازٍ، فقتلوا { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } تكذيباً منهم بالقضاء والقدر { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } أَيْ: ليجعل ظنَّهم أنَّهم لو لم يحضروا الحرب لاندفع عنهم القتل { حسرة في قلوبهم } ينهى المؤمنين أن يكونوا كهؤلاءِ الكفَّار في هذا القول منهم، ليجعل اللَّهُ ذلك حسرةً في قلوبهم دون قلوب المؤمنين { واللَّهُ يحيي ويميت } فليس يمنع الإِنسان تحرُّزه من إتيان أجله.