{ إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به... } الآية. وعد الله تعالى في هذه الآية مغفرة
ما دون الشِّرك، فيعفو عن مَنْ يشاء، ويغفر لمِنْ يشاء إلاَّ الشِّرك؛ تكذيباً للقدريَّة،
وهو قوله: { ويغفر ما دون ذلك } أَيْ: الشِّرك { لمن يشاء ومَنْ يشرك بالله فقد
افترى إثماً عظيماً } أَيْ: اختلق ذنباً غير مغفور.
{ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } أَيْ: اليهود قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وما
عملناه باللَّيل كُفِّر عنَّا بالنَّهار، وما عملناه بالنَّهار كُفِّر عنَّا باللَّيل { بل الله يزكِّي
من يشاء } أَيْ: يجعل مَنْ يشاء زاكياً طاهراً نامياً في الصَّلاح. يعني: أهل التَّوحيد
{ ولا يُظلمون فتيلاً } لا ينقصون من الثواب قدر الفتيل، وهو القشرة الرَّقيقة التي
حول النَّواة، ثمَّ عجَّب نبيَّه عليه السَّلام من كذبهم، فقال:
{ انظر كيف يفترون على الله الكذب } يعني: قولهم: يكفِّر عنَّا ذنوبنا { وكفى به }
بافترائهم { إثماً مبيناً } أَيْ: كفى ذلك في التَّعظيم.
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } يعني: علماء اليهود { يؤمنون
بالجبت } أَيْ: الأصنام { والطاغوت } سدنتها وتراجمتها، وذلك أنَّهم حالفوا
قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدوا لأصنام قريش، وقالوا لهم: أنتم أهدى
من محمَّدٍ عليه السَّلام، وأقوم طريقةً وديناً، وهو قوله: { ويقولون للذين كفروا }
يعني: قريشاً { هٰؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً } ، وقوله:
{ أم لهم نصيبٌ } أَيْ: بل أَلهم نصيب من الملك؟ يعني: ليس لليهود ملك، ولو
كان إذاً لهم لم يُؤتوا أحداً شيئاً، وهو قوله: { فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً } أَيْ:
لضنُّوا بالقليل. وصفهم الله بالبخل في هذه الآية، والنَّقير يُضرب مثلاً للشَّيء
القليل، وهو نقرةٌ في ظهر النَّواة [منها] تنبت النَّخلة.
{ أم يحسدون الناس } يعني: محمَّداً عليه السَّلام { على ما آتاهم الله من فضله }
حسدت اليهود محمَّداً عليه السَّلام على ما آتاه الله من النُّبوَّة، وما أباح له من
النِّساء، وقالوا: لو كان نبيَّاً لشغله أمر بالنُّبوَّة عن النِّساء، فقال الله تعالى: { فقد
آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } يعني: النُّبوَّة { وآتيناهم ملكاً عظيماً } يعني:
ملك داود وسليمان عليهما السَّلام، وما أُوتوا من النِّساء، فكان لداود تسعٌ
وتسعون، ولسليمان ألفٌ من بين حُرَّةٍ ومملوكةٍ، والمعنى: أيحسدون النَّبيَّ عليه
السَّلام على النُّبوَّة وكثرة النِّساء وقد كان ذلك في آله؛ لأنَّه من آل إبراهيم عليه
السَّلام.
{ فمنهم } من أهل الكتاب { من آمن به } بمحمَّدٍ عليه السَّلام { ومنهم مَن صدَّ
عنه } أعرض عنه فلم يؤمن { وكفى بجهنَّم سعيراً } عذاباً لمَنْ لا يؤمن.