{ وليحكم أهل الإِنجيل } أَيْ: وقلنا لهم: ليحكموا بهذا الكتاب في ذلك الوقت.
{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } أَيْ:
شاهداً وأميناً، [وحفيظاً ورقيباً] على الكتب التي قبله، فما أخبر أهل الكتاب
بأمرٍ؛ فإنْ كان في القرآن فصدِّقوا، وإلأَّ فكذِّبوا { فاحكم بينهم } بين اليهود { بما أنزل الله } بالقرآن والرَّجم { ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } يقول:
لا تتَّبعهم عمَّا عندك من الحقِّ، فتتركه وتتَّبعهم { لكلٍّ جعلنا منكم } من أُمَّة موسى
وعيسى ومحمَّد صلَّى الله عليهم أجمعين { شرعة ومنهاجاً } سبيلاً وسنَّة، فللتَّوراة
شريعة، وللإِنجيل شريعة، وللقرآن شريعة { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة }
على أمرٍ واحدٍ ملَّة الإِسلام { ولكن ليبلوكم } ليختبركم { فيما آتاكم } أعطاكم من
الكتاب والسُّنن { فاستبقوا الخيرات } سارعوا إلى الأعمال الصَّالحة [الزَّاكية]
{ إلى الله مرجعكم جميعاً } أنتم وأهل الكتاب { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون }
من الدِّين والفرائض والسُّنن. يعني: إنَّ الأمر سيؤول إلى ما يزول معه الشُّكوك
بما يحصل من اليقين.
{ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } أَيْ: يَسْتَزِلُّوكَ عن الحقِّ إلى
أهوائهم. نزلت حين قال رؤساء اليهود بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى محمد
لعلَّنا نفتنه، فنزدَّه عمَّا هو عليه، فأتوه وقالوا له: قد علمت أنَّا إن اتَّبعناك اتَّبعك
النَّاس، ولنا خصومةٌ فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك، ونحن نؤمن بك،
فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله هذه الآية: { فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن
يصيبهم ببعض ذنوبهم } [أي: فإن أعرضوا عن الإِيمان، والحكم بالقرآن فاعلم أنَّ
ذلك من أجل أنَّ الله يريد أن يعجِّل لهم العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم]
ويجازيهم في الآخرة بجميعها، ثمَّ كان تعذيبهم في الدُّنيا الجلاء والنَّفي { وإنَّ
كثيراً من الناس لفاسقون } يعني: اليهود.
{ أفحكم الجاهلية يبغون } أَيْ: أيطلب اليهود في الزَّانيين حكماً لم يأمر الله به،
وهم أهل كتاب، كما فعل أهل الجاهليَّة؟! { ومَنْ أحسن من الله حكماً لقوم
يوقنون } أَي: مَنْ أيقن تبيَّن عدل الله في حكمه، ثمَّ نهى المؤمنين عن موالاة
اليهود، وأوعد عليها بقوله:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء... } الآية.