{ إنما وليكم الله ورسوله } نزلت لمَّا هجر اليهود مَنْ أسلم منهم، فقال عبد الله بن
سلام: يا رسول الله، إنَّ قومنا قد هجرونا، وأقسموا ألا يجالسونا، فنزلت هذه
الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء، وقوله: { وهم راكعون }
يعني: صلاة التَّطوع.
{ ومن يَتَوَلَّ الله ورسوله } يتولَّى القيام بطاعته ونصرة رسوله والمؤمنين { فإنَّ حزب
الله } جند الله وأنصار دينه { هم الغالبون } غلبوا اليهود فأجلوهم من ديارهم،
وبقي عبد الله بن سلام وأصحابه الذين تولَّوا اللَّهَ ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا... } الآية. نزلت في رجالٍ كانوا يوادُّون منافقي
اليهود، ومعنى قوله: { اتَّخذوا دينكم هزواً ولعباً } إظهارهم ذلك باللِّسان،
واستبطانهم الكفر تلاعباً واستهزاءً { والكفار } يعني: مشركي العرب وكفَّار مكَّة
{ واتقوا الله } فلا تتَّخذوا منهم أولياء { إن كنتم مؤمنين } بوعده ووعيده.
{ وإذا ناديتم إلى الصلاة } دعوتم النَّاس إليها بالأذان { اتخذوها هزواً ولعباً }
تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا على طريق السُّخف والمجون تجهيلاً لأهلها { ذلك
بأنهم قوم لا يعقلون } ما لهم في إجابتها لو أجابوا إليها، وما عليهم في استهزائهم
بها.
{ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا... } الآية. [أي: هل تنكرون
وتكرهون]. "أتي نفرٌ من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمَّن يُؤمن به من الرُّسل؟
فقال: أؤمنُ بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرِّق بين أحدٍ
منهم ونحن له مسلمون" ، فلمَّا ذكر عيسى جحدوا نبوَّته، وقالوا: ما نعلم ديناً شرَّاً
من دينكم، فأنزل الله تعالى: { هل تنقمون } أَي: هل تكرهون وتنكرون منا إلاَّ
إيماننا وفسقكم، أَيْ: إنَّما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أننا على حقٍّ، لأنَّكم قد
فسقتم، بأن أقمتم على دينكم لمحبَّتكم الرِّئاسة، وكسبكم بها الأموال، وتقدير
قوله: { وأنًّ أكثركم فاسقون } ولأنَّ أكثركم، والواو زائدةٌ، والمعنى: لفسقكم
نقمتم علينا الإِيمان، قوله:
{ قل هل أنبئكم } أخبركم، جوابٌ لقول اليهود: ما نعرف أهل دين شراً منكم،
فقال الله: { هل أنبئكم } أخبركم { بشرٍّ من } ذلكم المسلمين الذين طعنتم عليهم
{ مثوبة } جزاءً وثواباً { عند الله؟ مَنْ لعنه الله } أَيْ: هو مَنْ لعنه الله: أبعده عن
رحمته { وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } يعني: أصحاب السَّبت
{ وعبد الطاغوت } [نسقٌ على { لعنه الله } وعبد الطاغوت:] أطاع الشَّيطان فيما
سوَّله له. { أولئك شر مكاناً } لأنَّ مكانهم سَقَر { وأضل عن سواء السبيل } قصد
الطَّريق، وهو دين الحنيفيَّة، فلمَّا نزلت هذه الآية عيَّر المسلمون اليهود، وقالوا:
يا إخوان القردة والخنازير، فسكتوا وافتضحوا.
{ وإذا جاؤوكم قالوا آمنا } يعني: منافقي اليهود { وقد دخلوا بالكفر وهم قد
خرجوا به } أَيْ: دخلوا وخرجوا كافرين، والكفر معهم في كِلْتي حالهم.