{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } يعني: الصَّحابة وهؤلاء الفقراء { فقل سلام
عليكم } [سلّم عليهم] بتحيَّة المسلمين { كتب ربكم على نفسه الرحمة } أوجب
الله لكم الرَّحمة إيجاباً مُؤكَّداً { أنه من عمل منكم سوءاً بجالهة } يريد: إنَّ ذنوبكم
جهلٌ ليس بكفرٍ ولا جحود، لأنَّ العاصي جاهلٌ بمقدار العذاب في معصيته { ثم
تاب من بعده } رجع عن ذنبه { وأصلح } عمله { فأنَّه غفور رحيم }.
{ وكذلك } وكما بينَّا لك في هذه السُّورة دلائلنا على المشركين { نفصل } نبيِّن
لك حجَّتنا وأدلتنا، ليظهر الحقُّ ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين في شركهم بالله
في الدُّنيا، وما يصيرون إليه من الخزي يوم القيامة بإخباري إيَّاك.
{ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله } الأصنام التي يعبدونها من دون
الله { قل لا أتبع أهواءكم } أَيْ: إنَّما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق
البرهان، فلا أتَّبعكم على هواكم { قد ضللت إذاً } إنْ أنا فعلت ذلك { وما أنا من
المهتدين } الذين سلكوا سبيل الهدى.
{ قل إني على بينة } يقينٍ وأمرٍ بيِّنٍ { من ربي } لا مُتَّبع لهوىً { وكذبتم به } أَيْ:
بربِّي { ما عندي ما تستعجلون به } يعني: العذاب أو الآيات التي اقترحتموها، ثمَّ
أعلم أنَّ ذلك عنده، فقال: { إن الحكم إلاَّ لله يقص الحق } أَيْ: يقول
[القصص] الحقّ. ومَنْ قرأ: { يقضي الحق } فمعناه: يقضي القضاء الحق
{ وهو خير الفاصلين } الذين يفصلون بين الحقِّ والباطل.
{ قل لو أنَّ عندي ما تستعجلون به } من العذاب لعجَّلت لكم، ولا نفصل ما بيني
وبينكم بتعجيل العقوبة، وهو معنى قوله: { لَقُضِيَ الأمر بيني وبينكم والله أعلم
بالظالمين } هو أعلم بوقت عقوبتهم، فهو يؤخِّرهم إلى وقته، وأنا لا أعلم ذلك.
قوله:
{ وعنده مفاتح الغيب } خزائن ما غاب عن بني آدم من الرِّزق، والمطر، ونزول
العذاب، والثَّواب، والعقاب { لا يعلمها إلاَّ هو ويعلم ما في البر } القفار
{ والبحر } كلُّ قرية فيها ماءٌ؛ لا يحدث فيهما شيء إلاَّ بعلم الله { وما تسقط من
ورقة إلاَّ يعلمها } ساقطة، وقبل أنْ سقطت { ولا حبة في ظلمات الأرض } في
الثرى تحت الأرض { ولا رطب } وهو ما ينبت { ولا يابس } وهو ما لا ينبت { إلاَّ
في كتاب مبين } أثبت الله ذلك كلَّه في كتابٍ قبل أن يخلق الخلق.