{ لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسس على التقوى } بُنيت جُدُره، ورُفعت قواعده على
طاعة الله تعالى { من أول يوم } بُني وحَدث بناؤه، وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقيل: هو مسجد قباء { أحقُّ أن تقوم فيه } للصَّلاة { فيه رجال } يعني: الأنصار
{ يحبون أن يتطهروا } يعني: غسل الأدبار بالماء، وكان من عادتهم في الاستنجاء
استعمال الماء بعد الحجر { والله يحب المطهرين } من الشِّرك والنِّفاق.
{ أفمن أسس بنيانه } أَيْ: بناءه الذي بناه { على تقوى من الله } مخافة الله، ورجاء
ثوابه، وطلب مرضاته { خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار } على حرف
مهواةٍ { فانهار به } أُوقع بنيانه { في نار جهنم } وهذا مَثَل. والمعنى: إنَّ بناء هذا
المسجد كبناءٍ على حرفِ جهنَّم يتهوَّر بأهله فيها، لأنَّه معصيةٌ وفعلٌ لما كرهه الله
من الضِّرار.
{ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبه في قلوبهم } شكَّاً في قلوبهم { إلاَّ أن تقطَّع
قلوبهم } بالموت، والمعنى: لا يزالون في شكٍّ منه إلى الموت، يحسبون أنَّهم
كانوا في بنائه محسنين { والله عليم } بخلقه { حكيم } فيما جعل لكلِّ أحدٍ.
{ إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم... } الآية. نزلت في بيعة
العقبة، "لمَّا بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعبدوا الله ولا يشركوا به
شيئاً، وأن يمنعوه ممَّا يمنعون أنفسهم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك يا رسول الله، فماذا
لنا؟ قال: الجنَّة. قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل" ، فنزلت هذه الآية
ومعنى: { اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة } أنَّ المؤمن إذا
قاتل في سبيل الله حتى يُقتل، وأنفق ماله في سبيل الله أخذ من الله الجنَّة في
الآخرة جزاءً لما فعل، وقوله: { وعداً } أَيْ: وعدهم اللَّهُ الجنَّة وعداً { عليه
حقاً } لا خلف فيه { في التوراة والإِنجيل والقرآن } أَيْ: إنَّ الله بيَّن في الكتابين أنَّه
اشترى من أمة محمَّدٍ أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنَّة، كما بيَّن في القرآن { ومَنْ
أوفى بعهده من الله } أَيْ: لا أحدٌ أوفى بما وعد من الله، ثمًّ مدحهم فقال:
{ التائبون } أَيْ: هم التَّائبون من الشِّرك { العابدون } يرون عبادة الله واجبةً عليهم
{ الحامدون } الله على كلِّ حال { السائحون } الصًّائمون { الراكعون الساجدون }
في الفرائض { الآمرون بالمعروف } بالإِيمان بالله وفرائضه وحدوده { والناهون عن
المنكر } الشِّرك وترك فرائض الله { والحافظون لحدود الله } العاملون بما افترض
الله عليهم.
{ ما كان للنبيِّ... } الآية. نزلت في استغفار النبيِّ عليه السَّلام لعمِّه
أبي طالب، وأبيه،وأُمِّه، واستغفار المسلمين لآبائهم المشركين، نُهوا عن ذلك،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: "لأستغفرنَّ لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه" ، فبيَّن
الله سبحانه كيف كان ذلك.